لعل من المفيد الإشارة إلى أن إيران تشتمل على الفرس وأقوام أخرى: البلوش والعرب والتركمان والأذريين والأكراد.. فقد احتل الفرس أراضي هؤلاء الأقوام في الماضي وضموها لبلاد فارس مكونة إيران اليوم. ولهؤلاء الأقوام انتماءات وروابط تاريخية ودينية ممتدة تصلهم ببلادهم الأصل خارج إيران. كما تتعدد في إيران الأديان: الإسلام (شيعة وسنة) واليهودية والمسيحية والصابئة والبهائية والزرادشتية. فشعور معظم هذه الأقليات (القومية والدينية) بالإقصاء في المجتمع الفارسي أثار لديها المطالبة بحقوقها، وبالفعل نهضت المقاومة في عربستان وبلوشستان وكردستان الإيرانية. هذه الفسيفساء العرقية والدينية تمثل حجر عثرة أمام تحقيق وحدة جغرافية لإيران، وتجعل من الصعب تحقيق وحدة لها في العنصر واللغة والثقافة والتاريخ مما قد يثير المشاكلات لإيران. يرى الفرس أنهم متميزون لانتسابهم للجنس الآري ( ARYAN ) الذي يجمعهم بالهنود والألمان (ومن الألمان : أدولف هتلر )، واسم إيران مشتق من كلمة ( الآري)، لذلك يتعالى الفرس على ما سواهم، وينظرون بشكل خاص للعرب وتاريخهم وحضارتهم العربية الإسلامية بدونية، ويعتبرون العرب بدوا متوحشين ومتخلفين وسفاكي دماء... إلخ النعوت والأوصاف التي لا تليق، ويكاد يجمع عليها الكتاب والأدباء والشعراء والمفكرون الفرس في الأدبيات الإيرانية، وتصريحات وخطب قادة إيران اليوم تشهد على ذلك. ولاعتبارات تاريخية وجه الفرس جام غضبهم تجاه العرب، وبشكل مكثف، يفوق ما خص غيرهم، فقد أساؤوا ذكر العرب، وصوروهم بأبشع الصور وألصقوا بهم كل سلبية تقريبا. السؤال : لماذا يكره الفرس العرب ؟، الجواب : إضافة لما ذكر، يعتقد الفرس أن العرب قوضوا حضارتهم الفارسية ( الزرادشتية)، ونشروا الإسلام، ومن الفرس من يكرهون الإسلام، ويعتبرونه دينا عربيا يدعو للاضطهاد، ويربطون تخلفهم وتشويه لغتهم وتاريخهم الفارسيين بالعرب وبالإسلام. لذلك، دعا بعض الفرس لإزالة الكلمات العربية من لغتهم الفارسية، وينادي هؤلاء بالعودة للثقافة الآرية ( الفارسية الهندية). مقابل ذلك يفخر الفرس بالديانة الزرادشتية، التي سبقت الإسلام، ويعتدون بماضيها، ولا يفتخرون بالإسلام، والبعض منهم يعتبر الحضارة الزرادشتية أكثر تفوقا، إلى أن جاء الغزو العربي الإسلامي وقضى على حضارتهم، واستبدلوها بحضارة الدم والعنف والوحشية. وقد غاب عن ذاكرة الفرس الحضارة العربية، قبل الإسلام، الممثلة في الممالك والدول العربية: المعينية والسبئية والقتبانية والحضرمية والنبطية والحميرية. كما غاب عن الفرس اعتداءاتهم، قبل الإسلام، على عرب المناذرة في الحيرة وما حولها، واجتياحهم للدولة الحميرية في اليمن، إلى أن جاء الإسلام وانتهى احتلالهم لها، واعتنق حاكمها الفارسي عندئذ، بدهان ( BADHAN) الإسلام عام 628م، ومع ذلك لم يكره العرب الفرس، ولم يحقدوا عليهم بسبب اعتداءاتهم واحتلالهم لأراضيهم العربية.. والملاحظ هنا أن الغالبية من الفرس هم شيعة ويعتنقون الإسلام، كما يرونه، وهذا بالتأكيد يتناقض مع كرههم وعنصريتهم تجاه العرب الذين أتوا لهم بالإسلام. مع ذلك لاتزال هزيمتهم في معركة القادسية محفورة بذاكرتهم التاريخية رغم مضي مئات السنين، ويبنون عليها حقدهم وكرههم للعرب، وظاهر ذلك في السياسات والشعوبية الإيرانية اليوم.. والله أعلم.