يمثل الموقف المتقدم لدول مجلس التعاون الخليجي إزاء الأزمة السورية، ولا سيما المملكة، في اجتماع أصدقاء سورية والذي عقد في تونس مؤخرا، حيث تبين من دون أدنى شك أن المملكة وبقية دول الخليج هي الأكثر التزاما وحرصا بدعم الشعب السوري بكل الوسائل المتاحة، فيما تبدو الدول الأخرى مترددة بين الدعم اللفظي أو الدعم الإنساني المحدود، أو الدعم السياسي والإعلامي، دون تخطي عتبة الدعم العسكري الملموس، لإنهاء هذه المعاناة الإنسانية الفظيعة والتي مر عليها حتى اليوم قرابة العام من دون أن نلمس أي ضوء في نهاية النفق. ففي البداية، كانت تركيا في الطليعة والمقدمة، واشتهر رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان بانتقاداته اللاذعة للرئيس بشار الأسد، وجاء وزير خارجيته أحمد داود أوغلو إلى دمشق أكثر من مرة، محذرا ومهددا وناصحا وآملا دون جدوى، فتراجعت تركيا بعد اقتحام حماة في رمضان الماضي لتحتل مكانها الولاياتالمتحدة وفرنسا لفترة وجيزة، مع ضغوط اقتصادية ودبلوماسية متتابعة، عبر قرارات أحادية وإقليمية من طرف الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي وأخيرا جامعة الدول العربية، إلى أن وصلت إلى درجة غير مؤثرة في الآونة الأخيرة، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في كل من الولاياتالمتحدة وفرنسا. ثم استلمت جامعة الدول العربية زمام المبادرة، فأطلقت خطتها الأولى بعد استكشاف أولي أجراه الأمين العام نبيل العربي وذهب المراقبون العرب إلى أماكن التوتر، تنفيذا للخطة إياها، والتي تقضي بسحب الجيش وإطلاق المعتقلين والبدء بالحوار الوطني، لكن سرعان ما وصلت بعثة المراقبين إلى طريق مسدود، مع استمرار العنف وسقوط الضحايا، وعدم سحب المظاهر المسلحة من الشوارع، فكان أن صدرت الخطة الثانية الأكثر تفصيلا والتي تضع خارطة الطريق لمرحلة انتقالية سياسية، يتولاها نائب الرئيس السوري بعد حصوله على الصلاحيات الدستورية اللازمة، لكن الخطة المذكورة اصطدمت بالفيتو الروسي الصيني، فكان ذلك إيذانا باعتماد النظام السوري استراتيجية الحسم العسكري بشكل صريح وواضح في كل المدن والقرى الثائرة، فكان تصعيد هائل على كل المستويات، وراحت أعداد القتلى والمعتقلين بالتصاعد. وبدلا من أن يؤدي هذا التصعيد غير المسبوق إلى تفعيل الحملة على النظام عبر مجموعة أصدقاء سورية، وهي البديل من مجلس الأمن العاجز عن تخطي الرفض الروسي، إذا بمؤتمر تونس يكرر المطالب القديمة دون التجرؤ على اتخاذ وسائل أكثر فعالية لتنفيذها، وهنا كان الموقف السعودي الأكثر بروزا حين انسحب الوفد من المؤتمر، احتجاجا على عدم الفعالية، وكان وزير الخارجية سمو الأمير سعود الفيصل صريحا للغاية في تصريحاته، حين اعتبر أن تسليح المعارضة فكرة ممتازة وفي كلمته التي ألقاها في مؤتمر تونس أن على النظام السوري أن يسلم السلطة طوعا أو كرها، ثم كان موقف الملك عبدالله الذي انتقد تخاذل بعض الدول في نصرة الشعب السوري موقفا متقدما وشفافا وشجاعا حين رد على الرئيس الروسي معلنا أن المملكة لا يمكنها إلا أن تكون ملتزمة بواجبها الأخلاقي والديني إزاء الشعب السوري. إن هذا الموقف الثابت إزاء النظام السوري يرفع السقف عاليا أمام بقية دول الخليج كما يشكل ثقلا في جامعة الدول العربية التي تحاول الإمساك بالعصا من الوسط، وما زال أمينها العام يراهن على الضغوط الدولية كي تفعل فعلها ويتوقف الأسد عن ممارسة العنف ضد المتظاهرين والمنشقين عليه، ولا شك أن الاختلاف الواضح داخل الجامعة العربية في كيفية معالجة الأزمة في سورية، يجعل من هذه المؤسسة عاجزة عن اتخاذ قرارات حاسمة تنهي الأزمة، كما يدفع بمجلس التعاون الخليجي ليكون في طليعة أصدقاء الشعب السوري حقيقة وليس ادعاء، لذلك فإن المطلوب من هذا الاجتماع أن يبادر إلى ملء الثغرة الماثلة بالتردد التركي والتشكيك الأمريكي والعجز العربي من أجل تسليح الجيش السوري الحر بما يلزمه لحماية الشعب على الأقل والتسريع في موجة الانشقاق حتى سقوط النظام، وكذلك توفير الدعم اللازم للإغاثة العاجلة للاجئين والمشردين والمحرومين من أبسط وسائل العيش لأن دعم صمود الشعب الثائر هو السبيل الأقرب إلى تحقيق المراد.