تعددت صيغ تعريف الفساد ومن أبرزها أنه يتمثل في الانحراف الأخلاقي الذي يدفع مسؤولين في وظائف عامة لاستغلال وظائفهم أو مناصبهم الرسمية من أجل تحقيق المصلحة الخاصة. ويختلف أسلوب المفسد وفقا لما يقوم به ودرجة تأثيره على الموارد والمال العام وأداء الاقتصاد. وكما يختلف النشال الذي يسرق الجيوب، واللص الذي يسرق المنازل والمحلات عن اللص الذي يسرق بنكا لأنه يبذل قدرا أكبر من الدهاء والجهد والمعرفة ليدرس المخططات الهندسية والخطط الإدارية والموقع ونوعية العملاء في الأوقات المختلفة والتدابير الأمنية ليقلص مخاطر القبض عليه، فإن هؤلاء اللصوص يختلفون عن الفاسدين وفقا للتعريف الرسمي للفساد. فالذي يمارس الفساد يتقن استخدام أساليب ممارسته ويعرف كيف يستغل صلاحيات ومسؤوليات عمله والحدود التي لا يجب تخطيها والعوائق المحتملة والتعامل معها. فالفساد لا يتم دائما من خلال مخالفة الأنظمة والتعليمات، بل غالبا وفقا للنظام من خلال اتباع الخطوات والإجراءت المكتوبة وتسخيرها لتحقيق المصالح الخاصة التي ينشدها. وأيضا تختلف الجنح والجرائم عن الفساد في أساليب التنفيذ وآثارها المتوقعة على الاقتصاد. ففي كثير من دول الغرب وعلى الرغم من خسائر المجتمع بسبب سرقات اللصوص، فإنها أنعشت صناعات حماية الممتلكات وشركات الأمن وتجارة الأجهزة الحمائية، كما افادت قطاعات بعد أن استثمر اللصوص الأموال التي سرقوها داخل دوائر الاقتصاد المحلي ولم يتم تهريبها للخارج. ولهذا فإن آثار الفساد أشد سوءا حيث تمتد الى مختلف المؤشرات الاقتصادية مثل الانفاق الحكومي، عوائد الاستثمارات، نوعية الخدمات، مستوى الأسعار، توزيع الدخل، وعدد الفقراء، نوعية الموارد البشرية والفكرية، مخرجات التعليم وتتباين الآثار وفقا لنوع وطبيعة العمل الفاسد وعلى سبيل المثال: • فالتهرب الضريبي والجمركي يؤدي الى تخفيض إيرادات الدولة، ويخل بمستوى التنافس بين الشركات. • تهريب الأموال والاختلاس يزيد من اتساع رقعة الاقتصاد الريعي، ويهرب النقود خارج دائرة الإنتاج ويقلل من ثقة المستثمر. • انتشار العمولات والرشاوى يغير مفهوم الدخل الفردي بسبب زيادة المبالغ المتأتية عنها مقارنة بالمبالغ المتحققة من الأجور الرسمية. • الفساد الإداري وانتشار الوساطة والمحسوبية في الوظائف يحرم المجتمع من كفاءات ومواهب قد تبتكر ما ينوع مصادر الدخل، كما يعيق تطور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المعول عليها في نمو الاقتصاد ويؤدي إلى إضعاف الرقابة على القطاع العام. • إفشاء أسرار العقود والصفقات العامة او الحصول عليها عن طريق العمولات، يزيد من تكاليف الاستثمار في قطاعات مثل البناء والأشغال العامة، ويؤدي إلى الغش في المنتوج، وتحويل الاستثمار عن مجالات معينة إلى مجالات أخرى تؤثر سلبًا في تخصيص الموارد، وتعيق عملية التنمية. • سوء تنفيذ المشروعات العامة يزيد من تكاليف الصيانة والعمر الزمني ويهدر موارد هامة ونادرة احيانا، ويشوّه تركيبة النفقات العامة.