يعلل البعض ظهور الأزمة الإسكانية بندرة الأراضي البيضاء الصالحة لبناء مساكن جديدة تستوعب الأسر الشابة المتنامية، ويوجه اللوم في هذا إلى مالكي العقار الذين يحتفظون بمساحات واسعة من الأراضي غير المستعمرة، التي لا هم بنوها ولا تركوها لغيرهم يبنيها. لكن حل مشكلة الإسكان بتحرير الأراضي البيضاء المحجوزة وإعادة بيعها على الراغبين في البناء، هو وإن بدا في ظاهره حلا سريعا جاهزا لإنهاء هذه المشكلة، إلا أنه في واقع الأمر يظل حلا مؤقتا تنحصر صلاحيته في مدة زمنية قصيرة وسرعان ما تعود المشكلة من جديد بعد أن تنتهي مدة الصلاحية. فالأراضي البيضاء المحجوزة مهما بلغت مساحتها لن تسد حاجة الناس على المدى الطويل، قد تسد حاجتهم اليوم، لكنها لن تستطيع أن تسد حاجة كل الأجيال القادمة، فخلال عقود قصيرة من الآن ستظهر أجيال جديدة أخر من الأسر الفتية الناشئة تبحث عن سكن، وستظل الأجيال تتوالى في الظهور تصحبها حاجتها إلى السكن، وإذا لم يكن لدينا حل سوى تحرير المحجوز من الأراضي البيضاء فإننا سنجد أنفسنا يوما وقد عمرنا جميع الأراضي المحررة، فماذا سنفعل آنذاك؟ نحن في حاجة إلى بحث عن حلول أخرى، حلول دائمة تستقرئ المستقبل وتخطط له، وهذه الحلول لاتكون إلا بمعرفة العوامل التي أدت إلى ظهور هذه الأزمة الإسكانية لمواجهتها والحد منها، فالناس من قبل لم يعرفوا هذه المشكلة وهي تعد طارئة على حياتهم. ومن نافلة القول إن مشكلة الإسكان تبدأ مع الزحام الناجم من التنامي السريع للسكان في المدن الكبرى، وإن حلها ينطلق من مقاومة ذلك التنامي والحد منه قدر الإمكان. ولو أخذنا مدينة الرياض نموذجا لوجدنا كيف صارت الحياة في الرياض مزعجة بسبب تزايد السكان السريع فيها، الذي هو في نسبة كبيرة منه ثمرة تزايد حركة النزوح إلى الرياض من المدن الصغيرة والقرى والأرياف، سواء للعمل أو الدراسة أو العلاج أو غير ذلك من الأسباب مما أثر سلبا ليس بأحداث أزمة في المساكن فحسب، وإنما على سير الحياة في المدينة بشكل عام فحيثما اتجهت اصطدمت بالزحام. والتنامي السكاني يضطر المدن إلى التمدد، والمدن غالبا إما أن تتمدد عموديا عن طريق إقامة ناطحات السحاب التي تستوعب أكبر عدد من السكان في مساحات صغيرة متقاربة، وإما أن تتمدد أفقيا كما هو الحال في مدينة الرياض، التي يغلب على طبيعة سكانها النفور من سكنى الشقق حيث لا يرون فيها، مهما اتسعت مساحتها، سوى علب تخنق أنفاسهم وتحرمهم من (الخصوصية) التي يحرصون عليها، فيسعون إلى امتلاك منازل مستقلة، وهي منازل لايكتفى فيها بمساحة صغيرة، وإنما لابد لها من حديقة أو فضاء يحيط بها ويفصل بينها وبين الشارع ببضعة أمتار، فينتج عن ذلك تمدد أفقي للمدينة يتسبب في تعقيد أسلوب العيش فيها. فالتمدد الأفقي للمدن له سلبيات كثيرة لعل أبرزها تباعد المسافات واستهلاك زمن طويل في التنقل من نقطة إلى أخرى، إضافة إلى زيادة التكلفة الاقتصادية في إنشاء الطرقات وإيصال بقية الخدمات العامة. وحل مشكلة الإسكان يبدأ من حد تنامي السكان في المدن الكبرى عن طريق صد تيار النزوح إليها، ودعم الإغراءات الجاذبة التي تجعل الناس يبقون في مدنهم وقراهم فلا يهاجرون منها وذلك بتحسين الحياة فيها وتوفير جميع الخدمات الأساسية الجيدة وتشجيع الهجرة المعاكسة إليها عن طريق إقامة المشاريع الكبرى التي تجذب الناس إلى زيارتها أو الإقامة فيها. فاكس 4555382-1 للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة