من يتنقل في مدينة أبها وضواحيها تستوقف أنظاره تلك البيوت القديمة بشبابيكها الصغيرة وأبوابها الخشبية، البعض منها لا يزال صامدا بالرغم من السنين الطويلة التي مرت عليها والبعض الآخر تساقطت أجزاء منه أو هدم بالكامل لتحل محله أبنية جديدة. عند الدخول لأحد تلك البيوت تشدك كل تفاصيله ابتداء من الأبواب الصغيرة مرورا بالحيطان التي زينت بالنقوش العسيرية (القط)، وانتهاء بالسقف المصنوع من أعواد الخشب الكبيرة. يقول محمد الراقدي، صاحب متحف ومهتم بالتراث البيوت القديمة ترمز للأصالة والتاريخ وهي عنوان الفن الهندسي والعمراني للآباء والأجداد، والاهتمام بتلك البيوت القديمة في عسير بفن عمرانها وجمال تصميمها يضيف للحركة السياحية في عسير التوسع السياحي، كما يعيد للمنطقة هيبتها العمرانية والفنية والتراثية. وأضاف «أشارك عروس الجنوب أبها آلمها وحسرتها على هجر أهلها بيوتهم القديمة وأسفي على الجهات المسؤولة التي نسيت أو تناست أهمية بيوت أبها القديمة وما تعنيه لنا ولأجيالنا القادمة، وأمنيتي كما هي أمنية الكثير من أبناء المنطقة الغيورين على تراثهم الإسراع في إيجاد الحلول الفعالة للحفاظ على ما بقي من البيوت القديمة». من جهته، جسد الفنان التشكيلي إبراهيم الألمعي تلك المنازل القديمة في لوحاته، يقول الألمعي «البيوت القديمة حضارة تاريخية وماض مجيد لأهل منطقة عسير في روعة بنائها وروعة الفن الذي قدموه لهذه العمارة التي تحكي عن تاريخ عريق نعتز به». وزاد «ما يدفعني لتجسيدها في لوحاتي هو حبي لمنطقة عسير ولتراثها وما أجده من أحساس لا ينتهي كلما أرى هذه البيوت، وبيئة عسير غنية بتراثها ومناظرها التي تجبر الفنان أن يبدع في نسج تراثه». وأكد التشكيلي ألألمعي أن جميع فناني منطقة عسير جسدوا تلك البيوت والتراث في لوحاتهم الفنية وأبدعوا في إبراز هذا الإرث، علما أن الفنان ليس بمجبر أن يرسم هذه البيوت، وإنما حسب ميوله والمدرسة التي ينتمي لها. وأضاف يشعر الفنان وغير الفنان بالأسى والحزن عند مشاهدة تلك البيوت مهجورة، وما يزيد ألمه هو إهمال الجهات المسؤولة لها، لأن اندثار المباني القديمة يعتبر اندثارا لتاريخ فهي الماضي الأصيل ولا يمكن أن ينهض الحاضر إذا لم يسير على خطى الماضي واندثار هذه المواقع هو انقطاع الطريق للتطور الحضاري في المنطقة. من جهته، أوضح المدير التنفيذي لهيئة السياحة والآثار في عسير عبدالله مطاعن أن التراث العمراني من أهم المقومات السياحية التي تركز عليها الهيئة وتسعى دوما للمحافظة عليها وإعادة تأهيلها وإعمارها، لأنها تمثل تاريخ لأجيال سابقة، كما أن الجيل الحالي لا يملك معلومات عن ذلك التراث العمراني، ولكن عندما يتم إعمار ذلك التراث والمحافظة عليه سيتسنى للجيل الحالي معرفة تراث الأجيال السابقة. وأضاف مطاعن: تعمل الهيئة حاليا على إعادة إعمار قرية رجال ألمع التراثية بالتعاون مع المجتمع المحلي وبعض الدوائر الحكومية، كما أن هناك عدة قرى تراثية في بعض المحافظات توليها الهيئة اهتماما كبيرا وتسعى دائما للمحافظة عليها، مثل قرية العسابلة في النماص وقرية الحوزة في ظهران الجنوب وقرية آل عايش وقرية آل حصوصة في سراة عبيدة. وأوضح مطاعن أن حي النصب وحي البسطة في مدينة أبها محل اهتمام ودراسة من قبل الهيئة بالتعاون مع أمانة المنطقة لإعادة تأهيلها وتوظيفها سياحيا، حيث من الممكن إقامة مطاعم أو فنادق أو أسواق أو متاحف في تلك الأحياء. وأشار مطاعن إلى الهيئة تقدم دعمها ومساعدتها لأولئك الأشخاص الذين يملكون منازل قديمة، حيث إنها تعطيهم من خبراتها ودراساتها لإعادة إعمار تلك البيوت وتوظيفها سياحيا.