على خلاف العادة، فنحن هنا بحاجة إلى مقدمات لمعرفة أهمية رئاسة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن عبدالله مجلس أمناء جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة، وانعكاسها على الحاضر والمستقبل الثقافي العربي والعالمي، وقبل الولوج في هذه المقدمة يجب التعريف بالجائزة التي وصلت إلى المصاف العالمي، وأكتفي بالقول إنها تبدأ بالتواصل بين الثقافات وتنتهي بنشر الفكر والرسالة المعرفية والإنسانية. ومرة ثانية أقر بحاجتي إلى مقدمة أخرى، وأنقل بعض ماقرأته عن الترجمة: «حين ينتهي العرب من ترجمة كتاب واحد تكون اليابان قد أنهت ترجمة 9000كتاب، ليس هذا فحسب، بل إن العرب لا يترجمون أكثر من 330 كتابا في السنة، البلدان العربية كلها تترجم 4.3 في المئة مما تترجمه ألمانيا». أمام هذه المعلومات المقلقة على مستقبل الثقافة العربية، يمكنني الحديث عن أهمية جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة، وعن رئيس مجلس أمناء الجائزة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن عبدالله. إذا استطعنا القول إنه في عصر المأمون الخليفة العباسي الذي بلغت الترجمة في عهده حدا لم تصله حتى الآن الثقافة العربية، رغم مرور أكثر من ألف ومئتي عام على الحركة العربية الشهيرة في الترجمة اليونانية والفارسية والسنسكريتية والحبشية وكثير من اللغات الأخرى. وبعد مرور هذه العقود يطل علينا الأمير عبدالعزيز بن عبدالله بجائزة خادم الحرمين الشريفين العالمية للترجمة، التي تبدأ دورتها الخامسة، ليعمق مفهوم الثقافة العالمية وينشر المفهوم العولمي للثقافة الحديثة. لم يكتف بالعمل السياسي نائبا لوزير الخارجية فحسب، وإنما خطى بثقة وثبات نحو المعرفة العميقة، مترئسا مجلس أمناء جائزة الملك العالمية للترجمة، إن ولع الأمير عبدالعزيز بالثقافات العالمية وانشغاله بالحركة الفكرية، فضلا عن حرصه الشديد على مد جسور المعرفة العالمية جعله من أكثر الداعمين لجوائز الترجمة، نظرا لمعرفته بالأهمية التاريخية والمعرفية لهذا العمل. إن مزاوجة العمل السياسي والثقافي معا، يعطي هذه الثنائية بعدا متبادلا خلاقا وعميقا، فالعلاقة بين السياسة والثقافة كل واحد يصعب فصله، وفي ذات الوقت لا يمكن توفره في أي شخص، إلا أن ابن حكيم الأمة كان له نصيب من الاثنين، كيف لا وهو الذي جاء نائبا لوزير الخارجية بترشيح ملكي وتزكية عميد وزراء خارجية العالم والدبلوماسي المخضرم الأمير سعود الفيصل. يدرك صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن عبدالله أن الترجمة وسيلة تواصل بين الشعوب من خلال المساهمة في ترويج الفكر الإنساني عبر نقله إلى لغات غير لغته. وهو يعرف حق المعرفة أنها عامل إنقاذ للثقافة من الغرق والحرق والإتلاف والضياع والتهميش والإقصاء من خلال إيداعها بنوك المعرفة الإنسانية والتاريخ الثقافي. فالترجمة ليست مجرد فعل لغوي يعنى بنقل نصوص من علبة لغوية ووضعها في «علبة لغوية أخرى»، إنها أيضا فعل معرفي وثقافي وفكري وحضاري يقرب بين الشعوب ويثري مناخ التعايش السلمي. ولا يخفى على أحد أن الترجمة هي الحجر الأساس لكل انطلاقة حقيقية ومفتاح الدخول إلى ثقافة العصر: «ثقافة التقارب والتعايش». وانطلاقا من هذه المفاهيم تأتي جائزة خادم الحرمين الشريفين العالمية للترجمة، لتؤكد التزامها الثقافي والأخلاقي بأهمية التواصل المعرفي بين الشعوب نحو مجتمع ينبذ لغة الكراهية ويؤمن بالأمن والسلام .