الكثير من الناس في أرجاء المعمورة أصابهم ضرر بالغ من جراء ما شهده العالم من أزمات مالية ومن التفاوت الشديد بين الدخول خلال الثلاثين عاما الماضية، فالأغنياء في العالم أصبحوا واسعي الثراء، بينما كانت زيادة الدخل شديدة التواضع بالنسبة لآخرين تقريباً، حيث تركز الدول عند قياس الدخل القومي على النمو الكلي وتغفل عن قياس التفاوت في الدخل. والفكرة هي أن الأزمات الاقتصادية تحدث أحيانا عندما تنتهي إحدى «نوبات النمو المتواصل للاقتصاد» ربما على غرار ما شهدته اليابان في التسعينات، ولانتهاء «نوبات النمو المتواصل» عوامل مثل المؤسسات المالية، والصحة والتعليم، وعدم الاستقرار الاقتصادي الكلي، والمديونية، والانفتاح التجاري، وغيرها من العوامل. وفي دراسة أجراها الباحثون في صندوق النقد الدولي عن العوامل المؤثرة في مدة طول وقصر فترة النمو الاقتصادي في الدول توصلوا إلى عامل مهم جدا، يؤثر على مدة فترة النمو الاقتصادي في أي دولة وهو عامل أساسي يتمثل في عدم المساواة في الدخول، حيث يؤدي هذا العامل إلى تأثير عكسي في طول فترة النمو الاقتصادي، فانخفاض التفاوت في الدخل يؤدي إلى زيادة مدة النمو الاقتصادي، بينما زيادة التفاوت في الدخل تؤدي إلى تقصير مدة النمو الاقتصادي. وقدم الباحثون اقتراحات بأن على الدول فرض سياسات تحقق نتائج إيجابية لتفادي تأثير هذا العامل، مثل توجيه الدعم إلى المستحقين بمزيد من الدقة، وتحسين فرص التعليم والخدمات الصحية للفقراء بما يعزز المساواة في الاستفادة من الفرصة الاقتصادية، واتخاذ تدابير نشطة لسوق العمل بما يشجع توظيف العمالة، وهذا يعني أن تخفيض التفاوت بين الدخول والنمو المستمر وجهان لعملة واحدة من منظور زمني وأطول أجلا. وتؤكد نتائج هذه الدراسة دروس التاريخ الاقتصادي والأزمات الاقتصادية في القرن الماضي والعصر الحالي بأن الإصلاح الاقتصادي في الدول لا يصبح قابلا للاستمرار، إلا إذا شملت منافعه الجميع الفقراء قبل الأغنياء. فمواجهة الاضطرابات الاقتصادية العالمية والحاجة إلى إجراء تصحيح وإصلاح اقتصادي صعب في كثير من البلدان، لذا يجدر بنا أن نتذكر هذه الدروس القديمة بدلا من أن نتعلمها من جديد. فكيف نستطيع في بلدنا التغلب على هذه المعضلة؟ حيث لا تزال البطالة والقضاء على الفقر من أهم مشاكل المجتمع، وكيف نجعل التفاوت بين الدخول منخفضا كي تستمر مدة النمو الاقتصادي؟ * مستشار اقتصادي