وأخيرا وصلت الأحزاب الإسلاموية للسلطة، بعد عقود من التنظيم و(الجهاد) والعمل السري والتهميش، على دماء وجماجم شباب الربيع العربي الثائر غير المنتمي سياسيا، في تونس وليبيا والمغرب ومصر، ولكن سوف تبقى تلك الأحزاب تحت العين وتقييم الأداء والتربص، سواء من شباب الثورة الذي قاد التغيير أو من تلك الدول التي وقفت بجوارهم سياسيا وعسكريا، وحمتهم من عنف تلك الأنظمة المستبدة المخلوعة.. وبالتالي وبعد كل التضحيات لا يمكن استبدال نظام مستبد بنظام ظلامي ربما يكون أكثرا استبدادا. الشاهد أن البعض يخاف من تكرر أخطاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية التي فازت في الانتخابات التشريعية عام 1991م، حينما قام بعض شيوخها بعد نشوة الفوز، بشتم الديمقراطية في منابر المساجد، ومناداتهم بتغيير الدستور الجزائري الذي سمح لهم بالفوز، بما ينسجم مع الرؤية الإسلاموية للحزب، والذي رآه البعض آنذاك بمثابة الانقلاب الأبيض على قانون اللعبة الانتخابية في الجزائر، والذي جعل الجيش الجزائري في الأخير يلغي نتائج تلك الانتخابات ويحضر عمل جبهة الإنقاذ ويعلن حالة الطوارئ في البلاد، باعتبار أن دخول (الجبهة) في التجربة الديمقراطية كان تكتيكا وليس استراتيجية، والهدف العودة بنظام الحكم إلى عصر الخلافة في العصور الماضية. فالإيمان واحترام قواعد اللعبة السياسية هو المحك، فأنت اليوم فائز وربما في الغد مهزوم، والذي يقرر ذلك هو ذات الناخب والصندوق، كما أن كثيرا من المراقبين، يرون وهم محقون في ذلك، بأن تلك الأحزاب تطرح الآن مجرد عناوين كبيرة كالقول: (الإسلام هو الحل)، ولا تملك مشروعا وطنيا واضحا في التنمية، وفي كل الملفات الساخنة والمصيرية؛ الاقتصادية والاجتماعية والسياسية واحترام الحريات الفردية وحقوق المواطنة والأقليات والاتفاقيات والتعهدات الدولية. تجربة حزب العدالة والتنمية التركي جديرة بالقراءة والتمعن، خاصة وهي تركز على خيار الدولة المدنية وملف التنمية الاقتصادية ومحاربة الفساد الإداري والمالي.. [email protected]