تحل كوريا الجنوبية ضيف شرف على مهرجان الجنادرية لهذا العام وهي مبادرة تستحق الإشادة. تنويع العلاقات السياسية والثقافية مفيد لحاضرنا ومستقبلنا وأعتقد أن العواقب المترتبة على أحداث 11 سبتمبر ستبقى إلى أجل غير مسمى. زرت هذا البلد الجميل في صيف 2009م لحضور برنامج في التعليم الالكتروني المتقدم بدعم من جامعة جازان الفتية وبتنسيق من وزارة التعليم العالي مع كوكبة من الزملاء والزميلات من الجامعات السعودية. تشعر بالارتياح وأنت تدخل مطار إنشون الدولي بسيئول لسعته وأناقته وتعامل موظف الجوازات السريع. في ذات المطار أنهيت إجراءات سفري إلى مدينة بوسان بسرعة فائقة فقط باستخدام جواز السفر وأقلعنا في الوقت المحدد. أقمت أسبوعا في مدينة بوسان وآخر في العاصمة سيئول وفق البرنامج الذي أعده الشركاء الكوريون وتضمن ورش عمل وزيارات لمجموعة من المراكز العلمية والجامعات التي تبين الاستثمار الكبير في مؤسسات التعليم وانعكاس ذلك على معدلات النمو والإنتاج الاقتصادي في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه حوالى 49 مليون نسمة. استقلت كوريا الجنوبية عن اليابان عام 1948م وكانت تفتقر في بداياتها إلى خدمات أساسية كالكهرباء وغيرها. تتوافر كوريا الجنوبية اليوم على بنية تحتية واقتصادية وتقنية حديثة يدعمها نظام تعليمي متقدم أدى إلى تحجيم نسبة البطالة التي لا تتجاوز 3% حيث يتميز الكوريون بالمثابرة والصبر والإرادة القوية. أستاذ كوري في إحدى الحلقات التدريبية لخص لنا تاريخ بلاده بالصور وبين كيف انتقلت في أقل من ستة عقود من بيوت القش والاعتماد على تربية الماشية وقطع الأشجار إلى دولة صناعية متقدمة ذات اقتصاد مرموق وبصمة حضارية واضحة. على هامش البرنامج استمتعت وبقية الزملاء بالتجوال في مدينتي بوسان وسيئول حيث تسحرك الشواطئ والأنهار الجميلة والنظيفة حد الإدهاش والمرتفعات التي تكسوها الغابات الخضراء ويتخللها العمران المنتشر أفقيا ورأسيا وشبكات الطرق والنقل والقطارات. أحاط المشرفون على البرنامج أعضاء الوفد بالرعاية والاهتمام حيث تم ترتيب زيارة لأحد المساجد الصغيرة في بوسان الذي اكتظ بالمصلين يوم الجمعة إذ يقدر عدد المسلمين الكوريين بحوالى 50000 وتأسس الاتحاد الإسلامي الكوري في 1963م.. يدرس عدد قليل من المبتعثين السعوديين في الجامعات الكورية ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين، وآخرون يتبعون لشركة أرامكو وهو توجه إيجابي لتنويع الخبرات رغم صعوبة اللغة الكورية وضعف الكوريين إجمالا في مهارات التحدث باللغة الإنجليزية. اتجاه العرب شرقا لم يعد ترفا بل أصبح ضرورة حضارية ملحة لتطوير اقتصادنا ونشر ثقافتنا والمملكة العربية السعودية صاحبة مبادرات تأسيسية رائدة في هذا المجال. [email protected]