ثمة مفارقات كثيرة في المشهد الثقافي السعودي بصفة عامة وعلى وجه الخصوص مايتعلق بالمشهد في حاضرة البحر جدة. وهي المفارقات التي تثير الكثير من الأسئلة وتطرح العديد من علامات الاستفهام والتعجب،وتحفز على جدل أراه إيجابيا وضروريا، بل وقد يكون عاجلا. في جدة مثلا واحد من أكبر المتاحف المفتوحة للمجسمات الفنية في العالم العربي، وربما في قارات الدنيا بأسرها؛ذلك الممتد على الكورنيش، وهو بكل المعايير الموضوعية يمثل كنزا فنيا عالميا وثروة ثقافية معتبرة، وإنجازا لايتكرر بسهولة؛رغم ماقد يتهدده حاليا من بعض التأثيرات السلبية الناتجة عن أعمال تطوير الواجهة البحرية.إذ آمل أن يكون تأثرا محدودا ومؤقتا . كما يوجد بها نشاط تشكيلي كبير، يرشحها لتكون واحدة من أهم المدن العربية التي تحفل وتهتم بإقامة عدد هائل من الملتقيات والمعارض الفنية التشكيلية على مدار العام،وهو نشاط لايمكن لأحد أن ينكر حجم تأثيراته الإيجابية على مجمل الفعل الثقافي السعودي الحيوي،رغم ماقد يعتري بعض هذه المعارض من خلل أوقصور؛قد يكونا ناتجين لشيء من التسرع وافتقاد الخبرة الكاملة في إدارة وتنظيم مثل تلك المعارض. في جدة فرصة دائمة وعروض مستمرة ومعارض فردية لفنانين عرب كبار لهم قيمتهم وسمعتهم على المستوى الدولي، وفيها كذلك عرض دائم لأعمال العديد من الأسماء الكبيرة في تاريخ الحركة التشكيلية العربية. في جدة متابعة واهتمام إعلامي كبير يواكب الحركة التشكيلية، ويتفاعل معها ويتقدم بها ومعها خطوات مهمة على طريق النهوض بالذائقة الفنية لشرائح مجتمعية متعددة ومتباينة في الثقافة والعمر والتعليم؛بما يهيئ فرصة مواتية لصناعة جمهور حقيقي يتابع حركة التشكيل ويتبادل معها التأثر والتأثير. كل ماذكر يدل على أن جدة عاصمة التشكيل السعودي بامتياز ،لم تنظم حتى الآن (بينالي)فني يليق بها ويترجم حركتها ويضعها بحق ضمن عواصم ومدن التشكيل العربي والعالمي. بما يتيح لها أن تتبوأ مكانة أرى أنها تستحقها بجدارة، واجتهادي أنه قد آن الأوان وربما قبل سنوات لتنهض جدة بمؤسساتها الثقافية والمجتمعية وتقدم على هذه الخطوة، التي لا أشك في أنها ستراعي فيها كافة الضوابط ومنظومة القيم الأخلاقية التي تعبر عنها وتليق بها. وأجزم يقينا أن الوقت والظرف مواتيان تماما لترى فكرة بينالي جدة التشكيلي النور. فربما لا يأتيان مرة ثانية كما هما الآن. [email protected]