أظهر تقرير لفرع هيئة حقوق الإنسان في منطقة مكةالمكرمة العام الماضي 32 شكوى في مجال حق الحماية من التعسف في المعاملة والتعذيب، أنجز منها 16 شكوى وأحيلت للجهات ذات الاختصاص 11 شكوى وتبقت خمس شكاوى قيد الدراسة والمعلوم أن حماية الإنسان من التعسف والتعذيب ،حق صانته الشريعة الإسلامية التي دعت إلى حماية الإنسان من أي شكل يندرج تحت سقف التعسف والتعذيب، ونبهت إليه الاتفاقيات الدولية فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص على «ألايعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة»، كما أن المملكة أنضمت عام 1997م لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة ،إلا أن ثقافة التعسف في المعاملة ،وإساءة استخدام السلطة من قبل بعض ممن يشغلون وظيفة عامة، مازالت مترسخة في الأذهان في ظل ضعف آليات نشر الثقافة الحقوقية. يعزو الدكتور زيد الفضيل عضو الجمعية السعودية لرعاية الطفولة أسباب هذا التعسف ،إلى غياب آليات المحاسبة ،ورسوخ المعاملة السيئة في نفوس بعض الموظفين لعوامل نفسية، وأخرى مهنية تتعلق بالتدريب والتثقيف،إضافة إلى عدم وجود البيئة المحفزة والمحاسبة ما يجعل الموظفين محبطين ،وبالتالي ينعكس أثر ذلك على أدائهم ومقابلتهم للمراجعين وتعاملهم مع الناس بشكل عام. ومن منظور الكاتب الإعلامي العقيد متقاعد صالح بن خميس، رئيس مركز أسياد للدراسات و الاستشارات ،أن هناك خللا في التربية والتعليم لجهة عدم ترسيخ ثقافة اللاعنف، وعدم التعسف وتعويد النشء عليها،لافتا أن حقوق الإنسان لن يكون لها فاعلية في ترسيخ مفهوم المعاملة والتعسف لدى البعض،ولهذا يرى أن إذابة هذه الظواهر وترسيخ القيم الإسلامية التي تنبذ التعسف، وتحويلها إلى سلوك اجتماعي ،بحاجة إلى تدريب. ومن جهة الكاتب الإعلامي الروائي محمد المزيني، فإن مجتمعنا بحاجة ماسة وسريعة لإيجاد وتفعيل أنظمة تحد من التعسف سواء داخل الأسرة أو داخل مقار العمل، وتحمي المواطنين من تعسف الموظفين الآخرين الذين لديهم سلطة يمارسون من خلالها هذا التعسف، فضلا عن حاجتنا لأكثر من مؤسسة مدنية حقوقية بأنظمة وقوانين صارمة للمحاسبة، وإعادة صياغة مسلماتنا الموروثة . أما المحامي أحمد زارع ، فيرجع أسباب ثقافة التعسف،وإساءة استخدام السلطة وتطبيق النظام ،إلى نقص في التدريب، وتعويض عن نقص في الشخصية ،مشيرا أن من أنواع التعسف، التعسف في تطبيق النظام رغم أن هناك مايسمى بروح النظام من أجل التسهيل على الناس، لافتا أن بإمكان الشخص عند حدوث تعسف ضده ،اللجوء إلى الجهة التي تلقى فيها التعسف أو القضاء. وبدوره، يرى الباحث القانوني خالد نحاس ،أن تغيير الثقافة الإقصائية أو التعسفية ،رهن بتغيير الثقافة الجمعية التي يسودها عدم التسامح والنظرة الفوقية من البعض ،وتغيير هذه الثقافة مرهون بالتدريب والتربية والإعلام ذلك أن وسائل الإعلام عنصر مهم في تغيير الثقافة الجمعية، كما أن هناك قيما إسلامية وأنظمة واتفاقية لكن كل هذه الآليات تحتاج إلى تفعيل وترسيخ في المجتمع عبر برامج واستراتيجية تثقيف ،وصولا إلى مجتمع تسوده قيم التسامح والعدل والإيمان بأن للآخر حقوقا.