أوضح الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، أن الدور الذي تضطلع به المملكة الآن على الصعيد الديني والسياسي والاقتصادي والحضاري وستلعبه في المستقبل لم يستنبط من فراغ، بل هو دور أصيل ناتج عن المكانة الطبيعية كوريثة لسلسلة حضارات عظيمة توجها الإسلام وهذبها، فالمملكة دولة وحضارة ليست طارئة على التاريخ، بل إن المكانة التي تتبوؤها اليوم وما تقوم به قيادتها الراسخة هي امتداد لإرث حضاري عريق، حيث تقاطعت فوق أرضها حضارات كان لها دور أصيل في رسم معالم الخريطة الحضارية الإنسانية، حيث يتكامل مع هذا المعرض وجود بعثات تنقيب دولية بمشاركة علماء الآثار السعوديين تجاوزت في مجملها 24 بعثة، وانطلقت بالتزامن معها حملة على المستوى الوطني لتعزيز البعد الحضاري، ويواكبها حملة لاستعادة الآثار السعودية من خارج المملكة وجمع ما لدى المواطنين من قطع أثرية، حيث يفتتح في الشهر القادم معرض للآثار الوطنية المستعادة تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حيث تجاوز عدد القطع الأثرية التي تمت استعادتها أربعة عشر ألف قطعة، بالإضافة إلى ندوة دولية، وورشة عمل محلية تسلط الضوء على الآثار المستعادة من الداخل والخارج. جاء هذا في تدشينه وعمدة برلين كلاوس فوفيرات أمس الأول، معرض «روائع آثار المملكة عبر العصور» في محطته الرابعة، ويستضيفه متحف «البرغامون» في مدينة برلين في ألمانيا، ويستمر ثلاثة أشهر. كما بين الأمير سلطان بن سلمان في كلمته الافتتاحية، أن معرض روائع آثار المملكة الذي انطلق من متحف اللوفر بباريس عام 2010 م في مرحلته الأولى، يمثل سلسلة من المعارض التي تنظم برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي أصدر موافقته على انتقال المعرض إلى عدد من المدن الأوروبية والأمريكية بهدف إبراز ما تتميز به المملكة من بعد حضاري، واستطاع المعرض من خلال محطاته الثلاث (فرنسا، أسبانيا، روسيا) استقطاب أكثر من مليون زائر. وأضاف «أتحدث اليوم عن بلد يعرف بالإسلام، ونحن فخورون جداً بهذا الدين العظيم، فالمملكة تعتز بكونها مهد الرسالة الإسلامية السامية، وموطن الحرمين الشريفين، ونفخر كذلك بما تحتضنه أرضها من مواقع أثرية تبرز مشاركة إنسان الجزيرة العربية الفاعل في مسيرة الحضارة الإنسانية وملتقى للحضارات وعلى أرضها تقاطعت طرق التجارة القديمة»، وتابع «صحيح أن المملكة تعرف بالنفط، وأنا لا أعد هذا انتقاصاً، أو قضية تحتاج إلى الاعتذار، بل هي مصدر اعتزاز وفخر، لأن المملكة وظفت هذه المنحة من الله لعز مواطنيها، ولخير البشرية، ولاستقرار أسعار النفط في العالم». وقال «تتميز المملكة بثلاثة أبعاد تشكل شخصيتها أمام العالم، كالبعد الديني، السياسي والاقتصادي المؤثرة في المستوى العالمي واضحة للعيان، إلا أن هناك بعداً آخر غير معروف إلا على نطاق ضيق لدى المختصين والعلماء والباحثين، وهو البعد الحضاري الذي يأتي مثل هذا المعرض للتعريف به، وإبرازه أمام العالم، ليحتل هذا الإرث الثمين المكانة التي يستحقها تاريخياً وحضارياً وثقافياً». من جهته، أكد عمدة برلين «كلاوس فوفيرايت»، رغبته في التعاون وتوسيع العلاقات بين برلين والرياض، لما فيه خير الشعبين الصديقين، مؤكداً أن معرض روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور الذي يستضيفه متحف «البرغامون» يترجم التعاون الحقيقي بين البلدين، ويتوج أعمالا كبيرة بين الجانبين استمرت لسنوات، ويضيف «مثل هذه المناسبات تعد فرصة للتعرف على الآخر والاقتراب منه من خلال ثقافته وتراثه من أجل توثيق القيم الإنسانية بين شعوب العالم، ملمحاً إلى أن العلاقات بين البلدين قديمة وعريقة تمتد منذ عام 1929، حيث تم توقيع اتفاقية تجارة بين البلدين، وتمنى ألا يقتصر أي تعاون بين بلدين على الجوانب الاقتصادية بل أن يتعدى ذلك ليشمل مختلف المجالات الإنسانية كالتبادل الثقافي. عقبها، قص الأمير سلطان بن سلمان وعمدة برلين شريط افتتاح المعرض، وتجول داخل المعرض، حيث قدم خلالها نائب الرئيس للآثار والمتاحف الدكتور علي الغبان شرحاً عن القطع الأثرية المعروضة وما تمثله من دلالات حضارية وأطوار تاريخية تؤكد مدى الثراء الثقافي والعمق التاريخي والبعد الحضاري لأرض المملكة العربية السعودية، ثم كرم رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار عمدة برلين وعددا من الشخصيات التي أسهمت في تنظيم ودعم المعرض. حضر حفل الافتتاح الذي حظي بحضور إعلامي كبير سفير خادم الحرمين الشريفين لدى ألمانيا الدكتور أسامة بن عبد المجيد شبكشي، والدكتور علي الغبان نائب رئيس الهيئة للآثار والمتاحف، والمهندس صالح المغيليث وكيل وزارة الثقافة والإعلام للعلاقات الثقافية الدولية، بالإضافة إلى أكثر من ألف شخصية يمثلون عدداً من المؤسسات الحكومية والأهلية والمنظمات الدولية والجهات التي تعنى بالآثار والتراث والثقافة في المملكة وألمانيا وعدداً من دول العالم. يشار إلى أن المعرض الذي يضم نحو 400 قطعة أثرية نادرة، سيصاحبه عدد من الأنشطة المعروفة بالموروث الثقافي والتراثي للمملكة، حيث تنظم وزارة الثقافة والإعلام عروضاً فلكلورية تمثل مختلف مناطق المملكة، فضلا عن المعرض الإعلامي الذي يحوي تضمن مطبوعات وكتب وأفلام وثائقية للتعريف بتاريخ المملكة وما تتميز به من ثراء الموروث الثقافي والتاريخي والحضاري.