جذب إعلان جائزة الملك فيصل العالمية عن اسم الفائز في علم الأحياء في الأسبوع الماضي الاهتمام إلى موضوع أساسي لم يكن حتى وقت قريب نسبيا ضمن الاهتمامات الكبرى لغالبية المختصين في علوم الحياة، وهو نظام هدم البروتينات في الخلية. غالبية العلماء كانوا يصبون جل اهتمامهم على بناء البروتينات وعملها لا على هدمها وإزالتها. البروتينات جزيئات كبيرة أساسية تدخل في بناء مكونات الخلية كلها كما تقوم كإنزيمات بتحفيز التفاعلات التي تحدث في داخل الخلية أو خارجها في أنحاء الجسم وكذلك تقوم بتنظيم عمل العوامل الوراثية (الجينات)، إلى غير ذلك من أعمال ضرورية. لذا كان اكتشاف نظام مختص بهدم البروتينات في الخلية مفاجأة للكثيرين. وقد منحت جائزة نوبل في الكيمياء للعام 2004م للعلماء الثلاثة الذين اكتشفوا هذا النظام الذي يعتمد على بروتين صغير أطلق عليه اسم يوبيكويتن (Ubiquitin) أي المتواجد في كل مكان نظرا لانتشاره الواسع في الخلية. يتم لصق اليوبيكويتين على أي بروتين ترغب الخلية في التخلص منه، مثل ما يتم تعليق إشعار الإزالة على أي مبنى تقرر البلدية هدمه، ومن ثم يتم نقل هذا البروتين إلى «كسارة الخلية» حيث يتم تكسيره إلى وحداته الأولية من الأحماض الأمينية التي يعاد تدويرها في بناء بروتينات جديدة. العالم الأمريكي من أصل روسي أليكساندر فارشافسكي الذي أعلن عن فوزه بجائزة الملك فيصل العالمية لم يكن ضمن الثلاثة مكتشفين المشار إليهم أعلاه ولكنه أسهم بإضافات كبيرة عن كيفية اختيار البروتينات التي يتم هدمها، ويعزى إليه قاعدة النهاية الأمينية (اليسرى) (N-end rule) التي تقول إن عمر أي بروتين يتحدد بنوع الحامض الأميني الموجود في نهايته اليسرى. كذلك أوضحت أبحاث فارشافسكي وفريقه علاقة هدم البروتينات بعمليات حيوية كثيرة في الخلية منها تنظيم دورة حياة الخلية، ترميم الحامض النووي (دن ا)، تنظيم نشاط الجينات، صناعة البروتين، وغير ذلك. كما قام فارشافسكي وفريقه بتحليل وعزل أو عمل نسائل جينية من مكونات نظام اليوبيكويتين المختلفة.. في الوقت الحالي أصبح نظام هدم البروتينات في الخلية يحتل موقعا متميزا ضمن اهتمامات العلماء وانصب عليه التركيز لمعرفة تفاصيل كافة العمليات الحيوية في الخلية أو لتحقيق فهم أعمق لأجهزة مختلفة مثل جهاز المناعة والأمراض المناعية أو لفهم التغيرات التي تقود إلى تحول الخلايا الطبيعية إلى خلايا سرطانية بل إن كثيرا من الأبحاث أصبحت تهدف إلى تطوير أدوية تعمل من خلال هذا النظام كوسيلة لمنع تكاثر الخلايا السرطانية أو لحثها على الانتحار، وهكذا قد تفتح الأبحاث الحديثة في مجال هدم البروتينات في الخلية الأبواب أمام علاجات جديدة لبعض أهم الأمراض التي تعاني منها البشرية. البناء والهدم هما من سنن الخالق عز وجل في الكون والفهم المتعمق للهدم مثل الفهم المتعمق للبناء، كلاهما يفتح آفاقا جديدة لم تكن في الحسبان. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 133 مسافة ثم الرسالة