ليست العلاقة بين إيران وإسرائيل محكومة بالتهديدات والتصريحات العدوانية الآنية المتبادلة بينهما، ذلك لأن اختلافاتهما ناشئة أصلا بسبب علاقة إيران بحزب الله اللبناني وبسبب نشاطها الرامي لإنتاج السلاح النووي الذي تعارضه إسرائيل من منطلق رغبتها في أن تبقى المستحوذ الوحيد على هذا السلاح في منطقة ما يسمى ب «الشرق الأوسط». غير ذلك بشكل عام فإيران وإسرائيل تشتركان بعدائهما المستحكم ضد العرب من منطلق استراتيجي واضح. فإيران تكن العداء للعرب بشكل عام على أساس مذهبي وقومي توسعي، وهذا له جذوره التاريخية والحضارية (وسيفرد لذلك مقال آخر ). أما إسرائيل فتكن العداء للعرب أساسا بسبب رفضهم احتلالها لفلسطين ورفضهم توسعها فيها وفي الأراضي العربية. منذ قيام إسرائيل كانت إيران، تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي، صديقة لها ورسخت العلاقة الودية بينهما المصالح العسكرية والتجارية وحالة عدائهما المشتركة للعرب، واستمرت العلاقات بين البلدين حتى بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران (1979م)، هذا رغم حالة العداء التي أوحى بها في حينه قادة إيران الجدد. فقد اقتضت سياسة إيران الثورة أن يعلن ملاليها العداء لإسرائيل وللولايات المتحدة، والتأييد للحقوق الفلسطينية، وذلك للاستهلاك المحلي ولأسباب سياسية محسوبة. فلطالما تاجر قادة إيران الإسلامية بالقضية الفلسطينية ووظفوها لمصالحهم كورقة سياسية في تعاملاتهم مع الأطراف المعنية. حتى أن الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، سبق أن أعلن وصرح مرارا، وبشكل حاد، بالعداء لإسرائيل، وكرر مناداته بإزالتها ومسحها من الوجود، أو نقلها على أرض في إحدى الدول الغربية، ومع ذلك سمحت إيران الإسلامية بهجرة يهودها لإسرائيل. وغير خاف قيام إسرائيل بتزويد إيران بالأسلحة وقطع الغيار والاستشارات الهندسية والفنية في مختلف المجالات إبان الحرب العراقية الإيرانية. ولازالت التبادلات التجارية والتعاون العسكري والتقني مستمرا بين البلدين، ولو بالخفاء، حتى في الوقت الذي أعلن فيه محمود أحمدي نجاد دعواته بالقضاء على إسرائيل، ورغم ما يسمع في المقابل من تهديدات إسرائيلية بضرب المنشآت النووية الإيرانية لمنع إيران من امتلاك القوة النووية. وغير بعيد اكتشاف سر زيارة السفن الإسرائيلية، ومن ضمنها ناقلات نفط، لإيران ورسوها في موانئها، رغم الحظر الأمريكي، ونفي الدولتين لذلك.. فلأن إسرائيل تدرك ما تكنه إيران من حقد قومي ضد العرب وتدرك أطماعها في أراضيهم، فإنها تتعامل معها، وتعمل على توسيع شقة الخلافات بينها وبين العرب كي تسوء العلاقات بينهما أكثر، والمستفيد الأكبر في النهاية هي إسرائيل التي ترى دخول العرب في مشكلات مع الجار الإيراني إضعافا لهم، خاصة وإسرائيل تعتبرهم عدوها الأول. وكل من إيران وإسرائيل تحتل جزءا من الأرض العربية، فإسرائيل احتلت فلسطين وبعض الأراضي العربية وتطمع في المزيد، وإيران متمسكة بالجزر الإماراتية، المحتلة أصلا من قبل شاه إيران، واحتل الفرس قبل ذلك الأهواز (عربستان)، ومثل إسرائيل تطمع إيران في المزيد من التمدد والتوسع، وقد يكونان في اتفاق على الاشتراك مستقبلا في خط حدودي واحد بينهما، إن أمكنهما ذلك. وبعد: يمكن القول إن إيران وإسرائيل استراتيجيا على اتفاق ممتد حول العرب رغم ما بينهما، مرحليا، من اختلافات قد تنتهي بزوال مسبباتها.