قول راسخ في الذاكرة هو ذلك الذي يتردد دائما: تستطيع التعرف على مدى ثقافة أمة ما من خلال موسيقاها وأغنياتها أو هكذا قيل، ونحن العرب نفخر بأن حبانا الله نماذج عطاء في الموسيقى والغناء أعطت كل ما هو ممكن لأن نقول إننا أمة ذات ذوق راق في الفن والثقافة، فمنذ مطلع القرن العشرين ونحن تترى أمامنا وفي أسماعنا إبداعات كبار ساهموا في صنع صورة واضحة في الموسيقى والغناء العربي في مصر والعراق واليمن وتونس التي جاء منها تونسي يهودي إلى القاهرة ليسهم في تأسيس أول مؤتمر ومهرجان للموسيقى في الثلاثينيات، كذلك في مصر بدت عبقريات موسيقية عدة منها سيد درويش ومنيرة المهدية وسلامة حجازي وداوود حسني وكامل الخلعي ومحمد عبدالوهاب وأم كلثوم وكثيرون غيرهم وفي اليمن والخليج كالبحرين والكويت مثلا، أما في العراق فانطلق غناء سادة الغناء العراقيين اليهود في جنوب العراق الذين ملأوا الدنيا فنا ما زالت تزخر به مكتبات إذاعة إسرائيل وتقدمه بشكل مستمر كإرث عربي عراقي يهودي يقف عليه فنانون وأساتذة يهود من أصل عراقي. الذي أريد قوله إن كل الأمم تفاخر بنجومها، ونحن عندما نفاخر بصوت أم كلثوم في دنيا الغناء العربي نجد أمامنا أمما أخرى كان لها «كلثوماتها» أيضا إن جاز التعبير. ففي إيران والغناء الفارسي وموسيقاهم كانت تلك الكبيرة «جوجوش» وفي الهند .. شبه القارة أم هي قارة غاندي لا شبه كانت وما زالت مطربتهم الكبيرة «لاتا مانجشكار» التي تجد صوتها السوبرانو صادحا في معظم الأفلام الهندية رفيعا رغم تجاوزها الثمانينيات من عمرها ولدى الفرنسيين كلثوهم أو فيروزهم «ميراي ماثيو» كذلك شارل ازنافور وكثيرون من كبار نجوم الغناء، أما في أمريكا كانت مطربة البيت الأبيض تشاركي باسي «صاحبة القولد فينجر» وغيرهم الكثير هنا وهناك. هناك فن معاصر لكل الأمم يأتي ويذهب وهناك فن وفنانون ثابتون يظلون كمحور وتاريخ لحياة كل أمة وكل لغة. كانت هذه الأسماء دلالات على صدق هذا القول ولدينا في ساحة الغناء المحلي أسماء كبيرة منذ ما قبل التوحيد وإلى اليوم ولكن يبدو أننا في حال عكس ما كانت فيه غيرنا من الأمم فبداياتنا التي يفخر بها سجل الغناء السعودي الذي يردد أسماء سعيد أبو خشبة وحسن لبني وحسن جاوا وفيما بعد طارق عبدالحكيم وعبدالله محمد وعمر كدرس وعمر باعشن وجميل محمود وغازي علي وغيرهم .. كانوا كبارا بلا شك ومن جاء غيرهم من أجيال كلهم كبار الفهم والهواية والاحتراف كل في بحره من عالم الموسيقى والفنون، لكن يظل اسمان هما كل الغناء السعودي في سكنى التاريخ وسجل الغناء السعودي .. هما طلال مداح ومحمد عبده ولو أنهما جاءا متأخرين وبعد تجارب كبيرة لمن سبقوهما. أعتقد ومن وجهة نظري أنهما من سيظل في تاريخنا الغنائي حتى لو بعد ألف عام إذا شاء الله.