منذ مطلع العقد الأخير للقرن العشرين المنصرم، شهد العالم وأنساق القوة والهيمنة التي تحكمه تغييرات دراماتيكية كبرى، فقد تهاوى الخصم التاريخي للغرب (الرأسمالي)، و المتمثل في المعسكر الاشتراكي وقوته الأساسية الاتحاد السوفيتي السابق، الذي انهار واختفى من الوجود وتشكلت على أنقاضه جمهوريات مستقلة، وذلك لأسباب وعوامل داخلية (بنيوية) في المقام الأول، وهو ما أنهى النظام العالمي القديم الذي شهده العالم ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، والمستند إلى الثنائية القطبية. وفي المقابل برزت الولاياتالمتحدة باعتبارها القوة العظمى الأحادية وبدون منازع في نظام العولمة، وتمثل ذلك، في قيادتها للتحالف الدولي في حرب الخليج الثانية (تحرير الكويت)، وتدخلها في صراعات جمهوريات يوغسلافيا السابقة (كوسوفو) وغيرها من المناطق الساخنة في العالم. وعلى إثر أحداث 11 سبتمبر الإرهابية التي تعرضت لها الولاياتالمتحدة، والتي تزامنت مع وجود الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن وإدارته، التي تضم عتاة المحافظين الجدد، من المبشرين بمشروع القرن الأمريكي الجديد، والهيمنة الأمريكية النهائية، على مقدرات العالم. ردا على أحداث 11سبتمبر، رفعت الولاياتالمتحدةالأمريكية شعار الحرب العالمية ضد الإرهاب، و من ليس معنا فهو ضدنا. ضمن هذا السياق جرى احتلال أفغانستان ثم العراق، كما جرى التبشير بتعميم الديمقراطية وحقوق الإنسان تحت يافطة الشرق الأوسط الكبير، والشرق الأوسط الجديد، وأخيرا الفوضى الخلاقة التي طرحتها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس إبان العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006. وقد بدا للوهلة الأولى بأن الولاياتالمتحدة قد أحكمت قبضتها وهيمنتها العالمية بشكل نهائي، وفي مقدمتها السيطرة على مقدرات المنطقة العربية المتخمة بالنفط (60 % من المخزون العالمي) والموارد الطبيعية والمالية الضخمة، إلى جانب الأسواق، ناهيك عن ضمان تفوق وهيمنة ربيبتها المدللة إسرائيل في عموم المنطقة العربية. وقد تحقق ذلك عبر تواجد قواتها بشكل مباشر كما هو الحال في أفغانستان والعراق، أو من خلال قواعدها البرية والجوية والبحرية الأمريكية المنتشرة في منطقة الخليج العربي، وكذلك من خلال دعم أنظمة الحكم المحلية التابعة أو الحليفة لها. غير أن حساب الحقل خالف حساب البيدر. فالخطط الأمريكية فشلت في إعادة هيكلة المنطقة العربية من خلال شعار الديمقراطية أو عبر بوابة العراق الذي انحدر سريعا إلى أتون صراعات داخلية دموية، وفقا لاصطفافات طائفية، ساهم الاحتلال الأمريكي في تأجيجها، من خلال صيغة المحاصصة المذهبية والأثنية، التي أطلقت العنان لدور المجموعات الإرهابية (القاعدة) والمليشيات الطائفية على اختلافها. لقد أوفى الرئيس الأمريكي الحالي أوباما بوعده في سحب القوات الأمريكية من العراق قبل نهاية العام 2011، غير أن تكلفة الغزو الأمريكي للعراق كانت باهظة ومدمرة للشعب العراقي على الصعيدين البشري والمادي، حيث أسفرت عن مقتل وجرح وإعاقة مئات الآلاف من العراقيين، بالإضافة إلى ملايين المهجرين في الداخل والخارج، إلى جانب تدمير البنية التحتية، وتخلف وشبه غياب لقطاع الخدمات كالصحة والتعليم والكهرباء والمياه، كما جرى تخريب ونهب الكنوز التاريخية / الحضارية التي لا تقدر بثمن، وقبل كل شيء تم تمزيق نسيج اللحمة الوطنية العراقية وأطلق العنان للتوترات والصراعات الطائفية والأثنية والمذهبية، وتداعيات ذلك في عموم المنطقة العربية. تكلفة الاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق وما سمي بالحرب على الإرهاب كانت باهظة، فوفقا لآخر أرقام وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، فقدت الولاياتالمتحدة 4487 عنصرا في العراق منذ غزو تلك البلاد في التاسع عشر من شهر مارس / آذار من عام 2003. بينما بلغ عدد الذين أصيبوا جراء العمليات 32000 شخص. على صعيد الكلفة المالية للحرب، والتي اقتطعت من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين، فقد قدرت وحدة البحوث في الكونغرس الأمريكي، أن تكون الولاياتالمتحدة قد أنفقت مع نهاية العام المالي 2011 مبلغا قدره 802 مليار دولار أمريكي على تمويل الحرب. إلا أن كلا من الاقتصادي الأمريكي جوزيف ستيغليتز، الفائز بجائزة نوبل للاقتصاد لعام 2001، وليندا جي بيلميز، كبيرة المحاضرين في شؤون السياسة العامة والتمويل والموازنات في جامعة هارفارد الأمريكية، يعتقدان أن الكلفة الحقيقية لحرب العراق قد بلغت ثلاثة تريليونات مليار دولار. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 147 مسافة ثم الرسالة