أكد الشيخ الدكتور عادل بن أحمد باناعمة إمام وخطيب جامع الفاتح في المطار القديم وسط جدة على أهمية تدبر القرآن وفهمه والعمل به، لافتا إلى أن آليات التدبر تنقسم إلى قسمين: قلبية وعقلية. وسرد في خطبة الجمعة أمس، آليات التدبر العقلية والقلبية، بعد أن عرج على المصطلح المتداول بين الطلاب في المدارس حينما يصفون الطالب المجتهد بأنه (دافور)، وهو مابينه الشيخ وحاول ربط معناه بموضوع الخطبة، إذ قال إن المصطلح يرجع إلى الدفر وهو في أصله معنى غير حسن ومنه سميت الدنيا أم دفر أو دفار من الدفع، في حين تشير المعاني الأخرى إلى أن هذا المصطلح يقصد به الرائحة الزكية أو الخبيثة في آن واحد، مبينا أن موضوع الخطبة يشترك في هذا الأمر إذا ماعلمنا أن الجانب الذي يرى مصطلح (دافور) في شدة الاجتهاد ومطالعة الكتب الدراسية ففي كتاب الله يكون التمعن فيه بشدة وإخلاص مع قياس الفارق. وشدد باناعمة في خطبته على ضرورة وجود اليقين التام بأن القرآن كتاب هداية وأن بدونه يكون هناك شعور قلبي للافتقار إلى كتاب الله لأن الحياة لاتستقيم بدونه، مشيرا إلى أن القرآن روح ونور وحق وهداية لاقوام لحياة الإنسان إلا به. ولفت إلى بعض أسماء القرآن الكريم ومنها: الحق، الهدى، البركة، الموعظة، الشفاء، النور، التذكرة، الفرقان، البلاغ، البيان، وغيرها، مبينا أن من أسباب الإعانة على تدبر القرآن تطهير القلب ما أمكن؛ فالمعصية حجاب يحول بين القلب وتدبر كتاب الله، مستشهدا بقوله تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)، وإنما الأقفال هي المعاصي التي تحول بين القلب والقرآن، مضيفا «كما أن الدواء الناجع لا ينفع إلا في المكان القابل، فإن الإنسان كلما ابتعد عن المعصية كان أكثر قابلية لتدبر القرآن، وحث على ضرورة أن يسأل العبد الله أن ينزل على قلبه هذا الفضل. وفي الجانب العقلي حذر إمام وخطيب جامع الفاتح من التعامل مع القرآن وكأنه نص هيروغليفي، لأن فيه ما يستطيع الإنسان فهمه بشكل مباشر ولايسوغ إعراضه عن تأمله وتدبره، حاثا على أن تكون علاقة المسلم بالقرآن علاقة قائمة على محاولة الفهم في هذا الإطار؛ فالقرآن مائدة عامرة يأخذ منها كل منا بحسب فهمه وجهده وعلمه. وأوضح ل «عكاظ» الدكتور عادل باناعمة أن لإعداد الخطبة واختيار موضوعها اعتبارات عديدة فإما أن تكون موافقة لحدث معين، أو أن تتكرر المناسبة أو تكون قضية تشكل هاجسا تتعلق في الذهن مع الوقت أو طلبات من بعض أهالي الحي أحيانا في مشكلة تحتاج إلى علاج، مبينا أن اختياره موضوع التدبر في القرآن كان تلبية لطلب مسجد أقام منشطا قرآنيا حيث حضر الطلاب لاستماع الخطبة للحصول على الفائدة، وقال: «إذا لم يأخذ الخطيب رأي الناس فمن الأفضل ألا يخطب». ودعا باناعمة الخطباء إلى احترام الناس والحاضرين، وأن يدركوا أن المصلين لم يأتوا إلى ولديهم عقول وآراء فيقدم لهم ما يشعرهم باجتهاد الخطيب، مشيرا إلى أن مشكلات الخطب تنتهي إذا أحس الخطباء بهذا الأمر، لذلك عبد الملك بن مروان يقول: شيبتني المنابر، فتصور خليفة ببأسه وسطوته شيبته المنابر؛ لأنه كان يتهيبها فيقف أمام الناس ويعرف قدرها وفيهم العالم وصاحب الرأي ويعرض عقله على الناس فإما أن يفتضح أو يرتفع، واستشعار هذا المعنى يحل نصف المشكلات وإذا أخلص الخطيب في خطبته باعتبارها عبادة تم له التوفيق، فالعمل لا يقبل إلا إذا كان خالصا صوابا والصواب هو إتقان العمل. جولة عكاظ في استطلاع ل «عكاظ» لبعض المصلين في جامع الفاتح، قال محمد يحيى أبو حسان «مركز تطوير التعليم الجامعي في جامعة الملك عبدالعزيز»: الخطبة عبارة عن قطعة من الأدب الرفيع ومن الفقه العالي فجزا الله الإمام خيرا؛ لأنه يطرق أبوابا يتشوف إليها الناس في خطبته، مضيفا «أرى الجمع الغفير الذي يأتي للمسجد أكثر مما رأيت في مساجد أخرى وهو دليل على أن هذه الخطب التي يلقيها الدكتور عادل تلامس القلوب». أما فؤاد عبد الله عبد العزيز «قسم الهندسة النووية في جامعة الملك عبدالعزيز»، فقال: «إنه يتابع حضور الخطيب إلى المسجد عن طريق موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»،» مشيرا إلى أن الخطبة رائعة في نظره خصوصا وهي تتحدث عن كتاب الله تعالى وموضوعها التدبر ومفيدة أيضا للشباب بشكل كبير، مبينا أن هذا يدعو الناس لعدم الانغلاق على نفسها وتستحوذ عليها الأفكار القديمة فيقفون لا حيلة لهم، وهي دعوة رائعة للإنسان أن يجتهد ويبذل قصارى جهده في فهم القرآن، فالله حبانا العقل والفكر ولابد من إعمالهما حتى نصل للنتيجة التي يرضى بها الله عنا. أما الشاب مهند باجابر رأى أن الخطبة كانت ممتعة، ويقول: كنا نظن أنها عن الدراسة وفق المقدمة لكن الخطيب ساقنا بأسلوبه الجميل لربط الاختبارات بالتدبر في القرآن الذي هو حياتنا، وقسم آليات التدبر إلى عقلي وقلبي، ولاحظ أن الشباب يهتمون بموضوعات الخطبة التي تلامس واقعهم وتحاكيه، في حين أنهم ينقسمون في تلك الاهتمامات فمنهم من يرغب في سماع الموضوعات المتعلقة بشؤون الحياة وآخرون يحبون الاستماع إلى موضوعات تتعلق بأمور الدين البحتة. أما محمد علي الرشيد، فقال: «الخطباء في عموم بلاد المسلمين ينبغي أن يتناولوا الأمور الحياتية المتصلة بواقع الناس ودينهم ومعاملاتهم وأعمالهم، ومع الأسف الخطب في أكثرها تقليدية ويمكن أن يقال عنها مستهلكة.