تابعت بعض الكتابات والتعليقات حول قضية المسؤول بوزارة الحج، وقضايا الاختلاس، وبالرغم أن القضية مازالت في ردهات المحكمة، إلا أن عددا من الإعلاميين أصدروا أحكاما مسبقة، وأخذوا في التشهير، بذلك المسؤول (الافتراضي). ورغم مطالبتنا بالضرب بيد من حديد وتطبيق شرع الله القويم على كل من تسول له نفسه أكل المال العام وحقوق الناس، إلا أن القول الفصل في هذا الأمر للقضاء، والذي يحظى باستقلالية وخصوصية في بلادنا ولله الحمد، والعجيب أن عددا من هؤلاء الكتاب والإعلاميين هم من يطالب بالحريات للموقوف، والمسجون، والسارق، وحتى مرتكبي الفواحش الأخلاقية الذين صدرت ضدهم أحكام قضائية، فما بالك بمن هو متهم فقط ولم يثبت عليه شيء حتى الآن، ومن أبسط حقوق المتهم أن لا يشهر به، ولا يتعرض لأي نوع من الضغوط الإعلامية ولا غيرها، حتى تثبت إدانته أو براءته، وهو ما كفله الشارع الحكيم، ولو علم البعض تأثير مثل هذه الاتهامات والأحكام على أشخاص قد يكونون أبرياء، على أسرهم ومستقبلهم، لعلموا أنهم يرتكبون منكرا عظيما وقد يعود عليهم بالخسران في الدنيا قبل الآخرة. وقد نهى المولى عز وجل المؤمنين الاستعجال في إصدار الأحكام وقال عز وجل (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) الحجرات (6)، ورغم أن الآية تتحدث عن رجل أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخذ زكاة بني المصطلق فتأخر عليهم، وعندما اقترب ذلك الرسول منهم تذكر حروبا كانت بينهم وبين بني المصطلق فخاف أن يقتلوه، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إن بني المصطلق ارتدوا ومنعوا الزكاة، وأما بنو المصطلق فلما تأخر عليهم جابي الزكاة توجهوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي كان قد جهز خالد بن الوليد لقتالهم، فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر، وتبينت الحقيقة، إلا أن الأية شاملة لكل مسلم، ورادعة لكل من يقع في حق وعرض أخيه المسلم بدون حق، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (الربا سبع وسبعون حوبا (أي بابا) أيسره أن ينكح الرجل أمه) حديث صحيح وقال (إن أربى الربا الاستطالة في عرض مسلم بغير حق) حديث صحيح، فإذا كان أيسر الربا كأن ينكح الرجل أمه، فما بالك بعقوبة (أربى الربا) أي أعظمه، وهو الاستطالة والحديث والتندر بأعراض المسلمين بغير وجه حق، فلنحذر جميعا من هذه الأمور، ولنحترم أعراض إخواننا المسلمين، ولنحمد الله على العافية والستر، ولندع القضاء يقول كلمته الفصل، كما أني أطالب وزارة الإعلام ووزارة العدل اللتين عقدتا ورشة عمل مؤخرا حول حقوق المتهمين، وحتى المدانين، وما يمكن نشره وما لا يمكن، بحماية الحقوق ومحاسبة من يشهر بأحد دون حق، وهو حسب معلوماتي جرم يستحق فاعله وقائله العقوبة التي قد تصل لحد القذف. وعندما ناقشت أحد الأصدقاء من الإعلاميين، وحذرته من الوقوع في أعراض المسلمين بدافع النشر الفضائحي، قال: إننا نعتذر للشخص الذي قد نظلمه في كتاباتنا، فتذكرت اعتذار أحد الإعلاميين الأمريكيين لرجل أعمال أمريكي تجنى عليه واتهمه باطلا وذلك عندما التقيا في حفل داخلي، فقال رجل الأعمال: أتمنى ان تشتمني في هذا اللقاء عند المغسلة، وأن تعتذر في صحيفتك عن ماجنيته في حقي وأسرتي، وأخيرا فلنعلم أن المولى عز وجل يرانا ويسمعنا، وأن ملائكته الكرام تسجل علينا كل قول حيث يقول عز وجل (مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) * باحث في تاريخ وآداب المسجد الحرام مكة المكرمة