القراءة المتأنية للمقال المنشور في العدد الصادر في التاسع من شهر ديسمبر الجاري من مجلة (ساينس) بقلم (يودهيجيت بهاتا تشارجي ) -ويبدو من اسمه أنه ذو أصول هندية- أثارت استغرابي لأول وهلة أن تقوم مجلة علمية بنشر مقال لا تتوافر فيه مقومات النشر العلمي.. فهو تحقيق صحافي صالح للنشر في صحف سيارة ولكن ليس في مجلة علمية، لا سيما أنه يفتقر إلى التوثيق بالحقائق والأرقام.. أشار المقال إلى تعاقدات تجريها جامعة الملك عبدالعزيز وجامعة الملك سعود وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، مع علماء باحثين في أرقى جامعات العالم بحوافز مالية تقدمها جامعاتنا ذكر بأنها تبلغ 72 ألف دولار للباحث بهدف تحسين تصنيفها العالمي!! وعند قراءتي لهذا المبلغ، قلت يا سبحان الله نستكثر على عالم باحث متميز على مستوى العالم هذا المبلغ الذي أعتبره زهيدا مقابل مشروعات بحثية ونتاج معرفي يخدم المجتمع.. في وقت نهدر فيه الملايين على لاعبي كرة القدم دون استكثار!!. قرأت ابتداء عنوان المقال: (Saudi Universities Offer Cash In Exchange for Academic Prestige ) وترجمته: «جامعات سعودية تقدم المال مقابل المكانة الأكاديمية». وتوقعت هجوما علميا صاعقا واتهاما أكاديميا فاضحا ضد الجامعات السعودية، لكنني فوجئت عند قراءتي لكامل المقال أن ليس به هجوم ولا اتهامات، بل على العكس تضمن المقال مرئيات عدد من العلماء الذين وقعوا عقودا مع جامعة الملك عبدالعزيز وأكدوا أنهم تأكدوا من جدية وقانونية العقود قبل أن يوقعوها.. أحدهم قال إنه عندما تلقى الدعوة ظن إنها (نكتة) لعدم معرفته بالراسل ولا بالجامعة، لكنه بعد أن تأكد من جدية العرض قبل به. وجاء في المقال إن جامعات عريقة وكبرى مثل هارفارد وكمبردج وغيرهما تتخذ نفس النهج مع العلماء البارزين. وهذا ما أكده معالي الدكتور أسامة طيب مدير جامعة الملك عبدالعزيز حين قال.. أن ليس في المقال ما يسيء لجامعاتنا.. عنوان المقال فقط كان مسيئا أما مضمون المقال ففيه تأكيد على صدقية النهج الذي تبنته جامعاتنا. الدكتور أسامة طيب قال أكثر من ذلك حين فاجأ الإعلاميين بقوله ان علينا أن نشكر كاتب المقال على ما جاء في مقاله وليس العكس فلقد أكد جدية ومصداقية وسلامة الإجراء الذي تبنته جامعاتنا .. ونشر آراء علماء بارزين حول هذا الإجراء ولماذا قبلوا به .. والمقال يعكس اهتمام جامعاتنا بالبحث العلمي . الرد على المقال .. تكفلت به جامعة الملك عبدالعزيز بالبيان التفصيلي الذي أصدره وكيل الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي الدكتور عدنان زاهد .. الذي أورد الأهداف وأوضح الحيثيات . ولكنني أود القول بان ما قامت به جامعاتنا من التعاقد مع أبرز الباحثين على مستوى العالم يعد خطوة رائدة .. هذا ما قلته في نشرة الجامعة قبل أن يظهر المقال القضية . وذلك لأن هذه المبادرة من شأنها أن تسهم في تطوير حركة البحث العلمي في جامعاتنا .. فمشاركة باحثين على مستوى رفيع عالميا معنا في مجال الأبحاث وقيادة مجموعات بحثية تضم أساتذة سعوديين من شأنه تطوير القدرات البحثية للأساتذة السعوديين .. وفتح الآفاق البحثية العالمية أمامهم . وإشراف هؤلاء العلماء على رسائل الماجستير والدكتوراه لطلاب جامعاتنا يقفز بالمستوى العلمي لطلابنا . بل ان مجرد قبول هؤلاء الباحثين العالميين التعاقد معنا يعد خطوة جيدة لأن جامعات العالم تتسابق للتعاقد معهم . ليس فيما أقدمت عليه جامعاتنا أي خطأ .. فجامعات كبرى مثل هارفارد وكمبردج وستانفورد وغيرها تقوم بذات الشئ .. هذا ما أشار اليه كاتب المقال نفسه في ذات المقال. ليس فيما فعلته جامعاتنا أي التباس .. فجامعة الملك عبدالعزيز لديها هيئة دولية تضم مديري جامعات كبرى من مختلف أنحاء العالم .. هؤلاء أوصوا بهذا النموذج من التعاون الدولي لتطوير البحث العلمي .. ولو كان في الأمر أي مخالفة للأعراف العلمية لما أوصوا به. وهناك نحو (100 ) باحث عالمي تعاقدت معهم جامعة الملك عبدالعزيز .. وهؤلاء لا يمكن أن يقدموا على التعاقد ما لم يكونوا قد تأكدوا من قانونية العقد ونظاميته ومشروعيته الأكاديمية . وهم يمثلون قيمة علمية كبيرة . ان الجامعات الكبرى في مختلف أنحاء العالم تتسابق للتعاقد مع الباحثين العالميين وتغدق عليهم الأموال بما يفوق بكثير المبالغ التي تقدمها جامعاتنا .. دون اشتراط التواجد .. فموضوع التواجد والدوام أمر انتهى زمنه في هذا المجال في عصر توفرت فيه وسائل الاتصال وتقنياته الحديثة . ولا أرى هناك بأسا من أن تسعى جامعاتنا إلى الاستفادة من هذه المبادرة لتحسين موقعها بين جامعات العالم . فذلك من حقها .. بل ان من واجبها فعل ذلك . وأخيرا أدعو القائمين على جامعاتنا أن يواصلوا السير وباهتمام أكبر في هذا المنحى البحثي وفي النشر العلمي العالمي .. نريد لجامعاتنا أن تكون جامعات بحثية برؤية عالمية .. ولتسير القافلة دون التفات لأرجاف المتربصين بنا في الخارج .. فهؤلاء أهدافهم معروفة.