في القرن الماضي كانت سيارة (الترابانت) الألمانية الشرقية أيقونة للفشل الاقتصادي والتقني للدول الشيوعية. كانت هذه السيارة القبيحة الشكل والضعيفة الهيكل تسير في شوارع أوروبا الشرقية فتثير سحبا داكنة من الدخان الملوث للبيئة والناتج عن محركها الرديء الذي كان موضوعا محببا للتندر والسخرية من قبل مواطني هذه الدول الذين كانوا يعانون تحت الأنظمة الشيوعية. وعلى النقيض تماما من هذا المشهد التعيس، كانت ألمانياالغربية في نفس ذلك الوقت تنتج المرسيدس والبي إم دبليو وتغزو العالم حضاريا بهذين المنتجين. لم تكن المشكلة في ألمانياالشرقية مشكلة أفراد فالألمان الشرقيون يحملون نفس الجينات التي يحملها أقرانهم الغربيون وينتمون لنفس الأرض ولم تكن المشكلة أيضا مشكلة معرفة فالألمان في كلا الشطرين لم يكونوا حديثي عهد بالتقنية ولا بالتحول من المجتمع الزراعي إلى الصناعي. ثقافة الحرية واستقلالية المؤسسات العلمية من تأثير الآيديولوجيات هي التي صنعت الفارق بين الألمانيتين ولا تزال تصنع الفارق التقني والاقتصادي الشاسع بين كوريا الجنوبية والشمالية اليوم. أسوق الأمثلة السابقة للدلالة على أنه لا يمكن للنهضة العلمية أن تحدث من دون توفير مناخ يسمح بحرية التفكير والبحث العلمي ولا يمكن لهذا المناخ أن يتشكل من دون استقلالية إدارية ومالية للجامعات ومؤسسات البحث. عندما نقارن بين أعداد البحوث العلمية التي تصدرها الجامعات العربية كل عام بتلك التي تصدرها جامعات دولة واحدة في أوروبا، فإننا في الحقيقة نظلم جامعاتنا العربية بهذه المقارنة. فغياب الحرية الأكاديمية وغياب القانون الذي يحمي هذه الحرية يعني أن أحد الأسس التي استندت إليها ثقافة الاختراع والإبداع العلمي في أوروبا قد تقوض. عندما ظهر تقرير مجلة ساينس المثير للجدل عن الجامعات السعودية الأسبوع الماضي، تذكرت مقالة قديمة لمعالي السفير عبدالله المعلمي عن الحرية الأكاديمية في الجامعات استشهد فيها بحديث لرئيس الجامعة الأمريكية في القاهرة ذكر فيه أنه لا نية للجامعة لفتح فرع في المملكة نظرا لعدم توفر القدر الكافي من الحرية الأكاديمية.