إن إزالة الحواجز والاجتماعية وإلغاء المحسوبيات واتساع نطاق تحقيق المساواة وتطبيق العدالة والاعتراف بالأخطاء والإقرار بالتجاوزات، كل ذلك وغيره يؤدي إلى تأكيد الأخذ بخيارات ثقافة المحاسبة.. إن ثقافة المحاسبة جسدها الخليفة الراشد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سمح لابن القبطي المصري أن يضرب ابن عمرو بن العاص والي مصر. إليكم هذه القصة الرائعة التي تدل على ثقافة المحاسبة، والتي تدل على أنه لا فرق في الإسلام بين صغير أو كبير وأمير أو غفير وفقير أو غني، وقعت هذه القصة في عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والأمير الغساني جبلة بين الأيهم، جاء ذكر هذه القصة على النحو التالي: إن أمير الغساسنة قدم المدينة ليسلم، وبينما كان خارجاً من المسجد أو من مكان آخر بنفس عنجهيته وأبهته وكأنه كان يظن أنه في غسان، إذا بمسلم من عامة الناس لم يكن يهتم بكل هذه الشكليات يطأ بقدمه طرف قباء السيد، وأصحابه في حالة من السرور لأن أمير الغساسنة، أكثر العرب حضارة جاء بقدميه إلى المدينة مستسلما، كانت المدينة من الأوس والخزرج المعدمين، فالأمر – على الأقل فيما يبدو – نصر عظيم، ويجيب عمر على شكوى الرجل «تعال غداً الى المسجد، وسوف أطلبه، واصفح عنه ان استطعت، والصفح خير». ويرد الرجل «لن أصفح عنه» ويقول عمر «خذ منه الفدية ويقول الرجل لا آخذ منه فدية، ولو أعطى كل سلطانه، يبنغي أن ألطمه، لا شيء آخر»، لم يكن إذن في الأمر نصح أو لنحقق في الأمر أولا، أو الموضوع قيد البحث والدراسة وما إلى ذلك. هذا هو القانون، وهذه هي الحضارة ويستدعي عمر الامير الغساني ويقول له: لقد لطمت هذا الرجل، ولن يصفح عنك، ويسأل الأمير الغساني: أي رجل هذا الذي لطمته؟. لقد نسى «السيد» الموضوع برمته، لقد كان يضرب العنق ثم ينسى لساعته، والآن وقد لطم «رجلا بسيطاً» تتطور الأمور إلى هذا الحد وتكتسب كل هذه الأهمية، ويحدث نفسه «أي مكان هذا؟ أي مكان هذا الذي يستدعى فيه السيد ويقال له: أحضر أمام المسجد، لا إلى حارة متفرعة من حارة حتى يتجمع الناس، ليلطمك مسلم كما لطمته. ويرى الملك الغساني أن الأمر جد لا هزل فيه ولا مهرب منه، وأنه لا يستطيع أن يتهرب منه، ويسأل: هل من مهلة؟ والمهلة في الإسلام، ثم يقول: إلى الغد، ويهرب بليل ويمضى إلى الروم، إلى حيث تحفظ مقامات الناس وحيثياتهم، إنهم هنا لا يقيمون وزناً لشيء، وهذا في حد ذاته هو الحضارة، هو عامل قوة في حضارة جديدة يدل على خلق إنسان جديد لا يعرفه هو. انتهت هذه القصة. وثقافة المحاسبة العلنية والتي تقع أمام محفل من الناس يجسدها منهج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، قال لسيدنا أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، حين قال لسيدنا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه مازحاً (يا ابن السوداء) فقال له سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الغفاري وذلك في المسجد النبوي وأمام الناس «يا أبا ذر إنك أمرؤ فيك جاهلية». هذه ثقافة المحاسبة العلنية والفورية والمعلنة فلماذا تعطلت ثقافة المحاسبة في فكر أمتنا الإسلامية؟ وفي المقابل قام الغرب وفي كل دولة ودوائره ومؤسساته بتفعيل وتنشيط.. (ثقافة المحاسبة).. وجعلوها شاملة وعادلة. وسؤالي لماذا ابتعد العرب عن ممارسة هذه الثقافة المهمة؟ والله يسترنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض وساعة العرض، وأثناء العرض. للتواصل 5366611