طالب وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه بكشف جميع ملابسات الاعتداء الأخير على القوات الدولية «اليونيفيل» في جنوب لبنان، وأكد في حوار مع «عكاظ» مراجعة «اليونيفيل» لمهمتها ووضع استراتيجية جديدة قد تمكن القوات اللبنانية من تولي هذه المهمة، وجدد اتهام بلاده لسورية وحزب الله بالتورط في الاعتداء الذي أدى إلى إصابة خمسة جنود فرنسيين. وعن الأزمة السورية قال جوبية إن نظام بشار الأسد مازال يتجاهل نداءات الفرصة الأخيرة الدولية، مؤكدا حرص باريس على التعاون مع جميع الأطراف من أجل التوصل إلى حلول للخروج من هذا المأزق، ورأى أن عودة السفير الفرنسي إلى دمشق بعد استدعائه للتشاور، أمر مهم ليكون متواجدا إلى جانب الشعب السوري.. وفيما يلي نص الحوار: • ذكرتم في تصريح سابق أخيرا أن الأوضاع السورية مقلقة، فكيف تقيمونها الآن؟ ما زال الملف السوري يشكل تحديا كبيرا للمجتمع الدولي وهو أمر مقلق للغاية، ونحن في فرنسا حريصون على التعاون مع جميع الأطراف من أجل التوصل إلى حلول إيحابية للخروج من المأزق، وندعم القرارات الأوروبية بفرض عقوبات على دمشق وشخصيات سورية، غير أن عمليات القتل والقمع مستمرة والأوضاع الإنسانية في حالة تدهور متنامية، وهو ما جعلنا نعمل الآن مع شركائنا، حيث أتيحت الفرصة للمفوضة العليا لحقوق الأنسان في الأممالمتحدة نافي بيلاي للإدلاء برأيها أمام مجلس الأمن حول ما يحدث في سورية، وطرح ملف حقوق الإنسان ومناقشته خاصة ما يخص الانتهاكات التي تستهدف حتى الأطفال ولا تعرف حدودا. ويأتي هذا التوجه انطلاقا من قناعتنا بأن مجلس الأمن يتحمل مسؤولية معنوية حيال ما يجري في سورية اليوم. ونتذكر هنا أن مجلس حقوق الأنسان الذي انعقد في نوفمبر الماضي وجه رسالة حازمة إلى النظام السوري لإنهاء العنف والقمع، والسماح بوصول المعونات الإنسانية للسكان العزل في البلاد، لكن من المؤسف أن النظام ما زال يتجاهل نداءات الفرصة الأخيرة الدولية سيما مقترحات الجامعة العربية لنشر المراقبين، وإقامة مناطق آمنة للمواطنين السوريين والتي نؤيدها. • شددت القمة الأوروبية التي عقدت في بروكسل أخيرا العقوبات على سورية، فما رأيكم في هذا التوجه؟ أعتقد أنها خطوة إيجابية جدا لأننا في مجلس العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي، قررنا فرض مزيد من العقوبات على النظام السوري لإضعافه، وهي عقوبات سيكون لها تأثير على الأوضاع المالية والمصرفية والطاقة، وكذلك على أفراد وكيانات وهيئات مرتبطة بالقمع. • سحبت فرنسا سفيرها من دمشق، وعاد إليها ليمارس مهمات عمله أخيرا، فما موقفكم النهائي في هذا الشأن؟ لقد استدعينا سفيرنا للتشاور معه حول الأوضاع في سورية. وعودته لمقره في دمشق أمر مهم جدا الآن؛ لأنه ينبغي أن يكون متواجدا إلى جانب الشعب السوري، ونحن نؤيد جميع الخطوات التي تهدف لإنقاذ الشعب السوري. • بعد تعرض قوات فرنسية في مهمة القوات الدولية «اليونيفيل» في لبنان لهجوم بعبوة ناسفة، وجهتم أصابع الاتهام إلى النظام السوري وحزب الله اللبناني، فما حقيقة الأمر؟ ندين الاعتداء التفجيري الجبان الذي استهدف قوات اليونيفيل وأدى إلى إصابة خمسة جنود فرنسيين وشخص مدني، ونطالب بكشف جميع الملابسات، وندعو السلطات اللبنانية إلى بذل كل الجهود اللازمة لمحاكمة المسؤولين عن التفجير وتأمين عمل جنود «اليونيفيل» وحرية تنقلهم، حيث يقدمون مساهمة أساسية في مهمة دولية من أجل الحفاظ على الأمن والسلام في لبنان في بيئة إقليمية غير مستقرة. وسبق أن قلت في هذا الصدد؛ إننا لدينا أسبابا قوية للاعتقاد بأن الهجوم جاء من سورية، وهو الاحتمال الأرجح على الرغم من عدم وجود أدلة على ذلك، ولا ينبغي أن نتجاهل دور حزب الله الذراع العسكرية لسورية في جنوب لبنان، ولذلك طلبنا من الحكومة اللبنانية القيام بكل الجهد لحماية قوات «اليونيفيل» التي تقوم بمهمة دولية بغطاء من الأممالمتحدة، فضلا أننا نسعى لمراجعة مهمتها ووضع استراتيجية جديدة قد تمكن القوات اللبنانية من تولى هذه المهمة بقدر المستطاع. • ما تقييمكم للتطورات الجارية في اليمن؟ نعتقد أن المبادرة الخليجية نزعت فتيل الأزمة في اليمن، ونرحب بتشكيل محمد سالم باسندوة حكومة وفاق وطنية في إطار مرحلة جديدة لتنفيذ عملية نقل السلطة، كما نرحب بتشكيل لجنة عسكرية مكلفة بتسوية الخلافات بين القوى المتعارضة، ومع ذلك ما زلنا نشعر بقلق جراء استمرار أعمال العنف ونكرر نداءنا لجميع الأطراف اليمنية بما فيهم الرئيس علي عبدالله صالح لاحترام التزاماتهم ووضع حد للعنف والامتناع عن القيام بأي استفزاز من أجل تأمين عملية انتقال سلمية، ووضع حد لتدهور الوضع الاقتصادي والإنساني وتلافي وقوع أعمال عنف جديدة. • تشهد منطقة الخليج العربي حراكا سياسيا كبيرا شمل المبادرة الخليجية لحل أزمة اليمن، والتي تم توقيعها في الرياض، فكيف ترون الدور السعودي في المنطقة والعلاقات بين المملكة وفرنسا؟ نعتبر الدور الذي تقوم به المملكة مهما في اطار دول مجلس التعاون الخليجي وعلى المستويين العربي والدولي. ونثمن العلاقات الثنائية بين الرياض وباريس وهي علاقات تشمل العديد من الملفات بما فيها الملف الخاص بحوار أتباع الأديان والثقافات. ونحن يهمنا الحراك السياسي للمملكة وحرصها الشديد على الأمن والسلام والتعايش السلمي. كما يهمنا التواصل والتشاور مع وزارة الخارجية السعودية وهو أمر جيد جدا، ونرى أن قرار الملك عبد الله بالسماح للمرأة بالترشح والتصويت في الانتخابات البلدية عام 2015 فضلا عن السماح لها بالدخول إلى مجلس الشورى عام 2013، قرار تاريخي يندرج في عمل إصلاحي يلبي رغبات المجتمع والشباب السعوديين. • تعتبر تونس أول دولة من دول ما يسمى الربيع العربي شهدت انتخابات برلمانية وانتخاب رئيس مؤقت للجمهورية، فما تقيمكم لهذا التطور؟ نرى في هذا التطور ديناميكية جديدة لمسار الأحداث في تونس ما بعد الثورة، ونرحب باختيار منصف المرزوقي رئيسا للجمهورية في المرحلة الانتقالية. كما نؤكد على تعاوننا مع الجمعية التأسيسية الوطنية، والتي يعتبر تأسيسها تتويجا للانتخابات والالتزام السياسي الشجاع ويشكل مرحلة مهمة جدا للمشوار الديمقراطي في تونس، ولا بد من الإشارة إلى أن هذا التحول أعطى دفعة جديدة للعلاقات الفرنسية التونسية. الأمر الذي أدى إلى إطلاق حوار سياسي متحرر من التوترات التي ظهرت خصوصا حول ملف حقوق الإنسان في العامين الماضيين، وعلى هذا الأساس فإن فرنسا والاتحاد الأوروبي يعطيان أولوية خاصة لضرورة مساعدة الشعب التونسي بكل الإمكانات من أجل إنجاح العملية الانتقالية الديمقراطية. • لقد أكدتم مرارا على أنه لا بديل لخيار الدولتين، ففي ضوء هذا الموقف كيف ترون مستقبل عملية السلام في ظل تواصل بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية؟ هذا أمر مؤكد ولا جدال فيه، ونحن ندعم جهود اللجنة الرباعية الدولية التي اجتمعت أخيرا للنظر في إمكانية بدء المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وموقف بلادنا لم يتغير حيال أولويات السلام، ولذلك ندين عمليات الاستيطان الإسرائيلية الجديدة في القدسالشرقية. ونرى أنها تشكل تهديدا للتواصل الأرضي للدولة الفلسطينية المنتظرة، ونشدد ونذكر بأن الاستيطان عمل غير مشروع في مفهوم القانون الدولي، ويشكل عقبة على طريق السلام العادل.ونرى أن الإعلان الإسرائيلي عن قرار بناء مستوطنات جديدة يعتبر استفزازا في الوقت الذي تواصل فيه الأسرة الدولية جهودها في سبيل إعادة إطلاق المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ومن هذا المنطلق ندعو الحكومة الإسرائيلية إلى العودة عن هذا القرار والقرارات الأخرى المماثلة التي اتخذتها في الأسابيع الماضية، وتطالب فرنسا بحل سياسي يستند على القرارات الشرعية الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومرجعية مدريد وخارطة الطريق والمبادرة العربية للسلام.