نحن مصابون في وطننا العربي بآفة التصنيف وإصدار الأحكام السريعة وغير المقننة ولا نسير على مؤشرات واضحة ودلائل بينة، وهذا ما يحدث أثناء تربيتنا لأبنائنا فنقول هذا مشاغب، هذا انطوائي، هذا عبقري، بلا مقدمات ولا بينات، ولأن هذه الأحكام تؤثر في الغالب سلبا على توقعاتنا لهؤلاء الأطفال بل على تعاملاتنا معهم فلو فرضنا وتصورنا أنهم مصدر المشكلات وأساس الفشل فسيكونون كذلك فهذا يجعلنا نستجيب لطرق معينة قد تكون غير مجدية معهم وغير مناسبة دائما لأجل إصدارك الحكم عليهم، وبالتعامل معهم لفترة طويلة من الزمن يتضح أن هؤلاء أطفال أسوياء ناجحون متميزون ويمتلكون قدرات عالية يمكن الاستفادة منها وهذا يحقق توقعات عالية مقبولة لك، ويشعر هؤلاء بالثقة والسعادة. فمثلا قصة جنيفر العنيدة تدل على ذلك. جنيفر فتاة في الثانية عشرة من عمرها، هي فتاة جميلة وساحرة للغاية وقد انتقلت من منزلها إلى الرعاية وهي تحصل على كل شيء تريده بالطريقة التي تريدها والشيء الذي لم تكن تريد القيام به هو الذهاب إلى المدرسة. فقد كانت تصرخ، تسب، تبكي، وكانت تفعل ذلك في كل مرة، لقد حاول المدرسون ومديرها أن يرضوها أو يخيفوها حتى تسلك سلوكا مناسبا ولكن كل هذه المحاولات ساعدت على زيادة حدة سلوكيات جنيفر العنيدة فمهما كان غضب من حولها فإن جنيفر تكون أكثر غضبا، واتخذوا قرارا بأن يستعينوا بمعلمة خاصة لتتولى عملية التدريس لجنيفر وكانوا يبعثون بالمعلمة إلى دار الرعاية للعمل مع جنيفر ولكن في المرة التالية اتصلت هذه المعلمة وقالت إنها لن تعود مرة أخرى لأن التعامل مع هذه الطفلة مستحيل. وبعد فترة قصيرة من هذه الحادثة تم اتخاذ قرار آخر بتحويلها إلى دار رعاية أخرى فيها مدرس ومدرب للتعامل مع الأطفال العنيدين وبينما كنا ننتظر أن يتم التحويل، كنت مشغولة بشأن عطلة نهاية الأسبوع التالية وتركت جنيفر مع المربية حيث إنها أصبحت أكثر عنادا ومعارضة باستمرار، وفي ظهر يوم الجمعة قررت التفاوض مع جنيفر ولقد أخبرتها بأنني سوف أعفيها من جميع الأنشطة ومهام المجموعة مادامت تجلس في غرفتها وترسم صورا لي ولقد كان هدفي هو إبعاد جنيفر عن المشكلات وعن الفتيات الأخريات، وكنت أعلم أنها تحب الرسم ففي واقع الأمر كانت موهوبة بالرسم ولقد أحبت فكرة الرسم بدلا من العمل مع المجموعة، ووافقت على الصفقة. لقد كان التفاوض أسلوبا عمليا للتعامل مع جنيفر فقد كانت تشعر بالألم والقلق الشديدين بسبب بعدها عن أسرتها على الرغم أنها مرت بصدمات عنيفة معهم إلا أنها كانت تشعر دائما بالمسؤولية تجاههم وتخاف بشدة من عدم رؤيتهم مرة أخرى، لقد كان ألمها عميقا وشعورها بالغضب كبيرا جدا لدرجة يصعب التعامل معها بأي شكل من الأشكال، الشيء الإجبار كان يزيد من إثارتها ولقد ساعد توجيهها بالتفاوض معها بشكل هادئ في جعل التركيز على نقاط قوتها وأن تظل هادئة لبعض الأيام لقد كان هذا إنجازا عظيما بالنسبة لها، إن الصور في الصفحة هي ما كان ينتظرني في صباح يوم الاثنين لقد نجحت الصفقة ولم تتسبب جنيفر في إثارة أي مشكلات لأي فرد وتتحدث هذه الصورة التي رسمتها جنيفر عن نفسها (كتبت تحت كل صورة):- (ألن يأتي يوم أستطيع فيه الفكاك من القوانين اللعينة ؟، يدمى قلبي كثيرا، وليس لي منه سوى جز صغير، ألن تتغير هذه القوانين ؟، ألن تتغير ؟)، (ولسوف يلحق به جرح آخر في القريب العاجل). إن جنيفر ومثيلاتها من الأطفال يتطلبون تعامل المتخصصين معهم من خلال بعض المتطلبات (العطف والعقل المتفتح). [email protected]