تحدثت في المقال السابق عن نظريات الثورة وارتباطها بمفهوم الاستقرار السياسي واليوم هناك دراسات أحدث لصندوق النقط الدولي من قِبل بعض الباحثين تربط بين الزيادات المفاجئة في أسعار الغذاء وبين حدوث الثورات والاحتجاجات الشعبية. غير أن دراسة مهمة أخرى أعدت عن بلدان أمريكا الجنوبية أثبتت بأن نداء الديموقراطية والمشاركة السياسية هو نداء فطري، يجذب إليه معظم فئات المجتمع التي تعتقد بالحرية وتتطلع إليها على أنها انعتاق شبه روحاني لكل من الأفراد والمجتمعات الإنسانية، وبالتالي، فإن هناك ترابط مثبت إحصائيا بين المشاركة السياسية والسعادة الفردية. ولاشك أن الحرية وفرص العمل وتوفر الغذاء، يمكن أن تكون وقودا للثورات. ولعل لمحة على الإحصاءات المنشورة من اليونسكو والخاصة بكل من مصر وتونس واليمن، تبين ذلك بكل وضوح لا لبس فيه. فحسب الدراسة والإحصاءات المنشورة في دراسة اليونسكو لعام 2011م، والمعنونة: «الأزمة الخفية: النزاعات المسلحة والتعليم»، وعلى وجه الخصوص جدول رقم 10، الذي يشير بكل وضوح إلى أن نسبة كبيرة من الشبان في البلدان العربية في المرحلة العمرية (15 24 سنة) قد حققوا نسبا عالية من التحصيل العلمي. وتتراوح هذه النسب في تعليم الشباب في الفترة بين عامي 2005 2008م، من 77% في المغرب، إلى 100% في ليبيا. بمعنى آخر، فإن ثورة حقيقة حدثت في تعليم الشباب في العالم العربي، غير أن هذه الثورة لا تقابلها إنجازات في مجال التوظيف أو الدخل. وحيث أن إحصاءات الفقر غير مكتملة في الدول العربية، فإن الإحصاءات المنشورة، وأنا أعتمد هنا على المصدر نفسه (اليونسكو 2011م، جدول رقم «1»)، تشير بكل وضوح إلى هذه الظاهرة. فهناك في مصر 18% من الشعب يعيش على أقل من دولارين في اليوم الواحد. وفي تونس، فإن النسبة تصل إلى 13%، أما في اليمن فإن النسبة تصل إلى 47%، ويعني ذلك أن قرابة نصف السكان في اليمن يعيشون على أقل من دولارين من الدخل في اليوم الواحد. ومثل هذه الإحصاءات تشير إلى أنّ الفرضية التي نطرحها، وهي التي تقول بأن عدم الاستقرار السياسي في البلدان العربية يعود في المقام الأول إلى حقيقة عدم وجود توازن بين تعليم الأفراد وحصتهم من الكعكة الاقتصادية، خاصة لشريحة الشباب بين الخامسة عشرة والرابعة والعشرين، بالرغم من حصول هؤلاء الأفراد على قسط جيد من التعليم، وهم في فترة عمرية قابلة للحشد والتجنيد السياسي.. ومثل هذا الطرح الاقتصادي السياسي لا يتعارض مع الأسباب المتمثلة في قمع سياسي من قِبل أنظمة شبه مستبدة في هذه البلدان، بل ربما كان مكملا له. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 119 مسافة ثم الرسالة