في الوقت الذي مازال فيه هول مأساة المدرسة المنكوبة ماثلا في نفوس الناس.. يعتصرهم الألم ويلفهم الحزن جراء ما تعرض له أطفال ومنسوبات المدرسة من فاجعة النيران التي نصبت صور الموت أمام أعينهن.. وفتكت بنفسياتهن الغضة.. لا تبرحها مناظر النيران والأطفال يقذفون بأنفسهم من أعلى المبنى خشية النيران. وفي الوقت الذي مازال فيه الأطفال الأبرياء يعانون كوابيس الفاجعة تقض مضاجعهن وتنغص حياتهن.. وذكرى الشهيدتين الاستاذتين ريم النهاري وغدير كتوعة رحمهما الرحمن الرحيم.. وهما شهيدتان لهما الخير عند ربهما كما قال سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ عالقة في أذهان الطالبات. في هذا الوقت المفعم بتداعيات الفاجعة.. تتحول أصابع الاتهام فجأة عن إدارة التعليم والدفاع المدني وشركة الكهرباء وأصحاب المبنى لتتوجه إلى مجموعة من أطفال المدرسة أنفسهن. وإذا بالأطفال يخضعن لتحقيقات واستنطاقات ومحكمة وقضاة وهيئة تحقيق وادعاء عام. في وقت كان ينبغي علينا أن نراعي حالتهن النفسية المأزومة وظروفهن العصيبة.. وطفولتهن البريئة. لم أصدق ما قرأت في عدد يوم الجمعة 29 من ذي الحجة الماضي من هذه الجريدة.. من تصريحات تتحدث عن احتمالات قتل عمد ودية مغلظة وسجن وتعزير وتوافر للقصد الجنائي.. وغيرها مما أصابني بالذهول.. وظننت أن الأمر يتعلق بمجرمين قتلة أصحاب سوابق.. وليس بأطفال تعرضوا لمصاب جلل في سن غضة وطفولة بريئة.. وأسرهم التي روعت بهول الفاجعة. أعجبني من جانب آخر تصريح رئيس المحكمة الجزئية في الرياض الدكتور صالح آل الشيخ.. الذي أبدى خشيته أن يتركز الأمر على طالبات دون معاقبة الجهات المقصرة مثل وزارة التربية والتعليم والدفاع المدني ومالك المدرسة وباقي الجهات.. مشيرا إلى أن الدفاع المدني إذا ثبت تأخره في الوصول والإنقاذ فإنه يجب أن يعاقب. مؤكدا على أن قصور اشتراطات الأمن والسلامة في المدرسة وتأخر عمليات الإنقاذ وتجهيز الفتيات لمثل هذه الحالات تتحمله وزارة التربية والتعليم ومالك المدرسة. وفي كل الأحوال لا نريد محاكمة ومحاسبة الماضي لأن ذلك لن يفيدنا بقدر ما يفيدنا أن نتعلم من الأخطاء ونعمل بجدية للإصلاح.. فهناك العديد من المدارس على امتداد بلادنا الغالية في وضع أسوأ بكثير من المدرسة المنكوبة.. ويجب أن تسارع الجهات المختصة لإصلاح وضعها عاجلا.. ووزارة التربية والتعليم مطالبة بتخصيص ميزانية طوارئ عاجلة لمعالجة أوضاع المدارس الحكومية.. كما أن عليها أن تشكل فرقا للعمل العاجل للكشف على المدارس الأهلية والتأكد من توفر وسائل السلامة فيها. وتوافر أعمال التحضير الفعلي العملي التطبيقي للطوارئ ومواجهة الكوارث فيها.. فالعمل النظري لا يفيد بقدر التطبيقات والتجارب العملية الفرضية. كما أن على الدفاع المدني أن يكثف جولاته التفقدية على المدارس والتأكد من توفر وسائل السلامة فيها وجاهزيتها للطوارئ لا سمح الله. وأخيرا لا نملك إلا أن ندعو الله سبحانه وتعالى أن يتغمد الشهيدتين ريم النهاري وغدير كتوعة بواسع رحمته وغفرانه وأن يلهم ذويهما الصبر والسلوان.. وأن يرفع الضرر الجسدي والنفسي عن طالبات المدرسة ومنسوباتها.. كما ندعو المولى عز وجل أن يجزي المتطوعين الأبطال من المواطنين والمقيمين الذين سارعوا للإنقاذ خير الجزاء.. حيث لولا إرادة الله ثم إقدامهم وتضحياتهم لكانت الكارثة أكبر بكثير مما آلت إليه. حمى الله بلادنا وأهلنا.. وأبناءنا وبناتنا من كل شر.