صورة الطفلة التي تقفز من نافذة الطابق الثالث لمدرسة براعم الوطن والتي التقطها مصور «عكاظ»، ستخلد في الذاكرة ربما كأكثر صور العام 2011 إثارة للرعب. فليس هناك أشد رعبا من مشهد تقف فيه طفلة صغيرة على حدود المنطقة الرمادية الفاصلة بين الحياة والموت لتتخذ قرارا مصيريا تفاضل فيه بين الموت اختناقا من دخان الحريق أو المغامرة بالقفز من المبنى. أن تضطر مجموعة من المعلمات والطالبات لاتخاذ مثل هذا القرار معناه أن شخصا أو مجموعة من الأشخاص في موضع المسؤولية قد اتخذوا مجموعة من القرارات الخاطئة التي حولت ما يفترض أنه مدرسة إلى محرقة. ليس القصد هنا إلقاء اللوم على جهة معينة فالتحقيق في الحادث لم ينتهِ والإشارة بإصابع الاتهام إلى جهة أو أخرى لا يحل المشكلة. ولكن لا يمكن قراءة حادثة الحريق هذه من منظور منعزل عن حوادث أخرى وفي قطاعات مختلفة كان القاسم المشترك فيها هو ثقافة «مشي حالك». وهي الثقافة التي تسود فيها العشوائية والعمل الارتجالي. لن يردع مثل هذه الثقافة إلا سيادة القانون والقانون هنا هو التشريعات والأنظمة الإدارية والهندسية. في المملكة وقبل نحو سنتين، وافق مجلس الوزراء على البدء في التطبيق التجريبي لكود البناء السعودي. وهو عبارة عن نظام ملزم من التشريعات واللوائح الفنية والإدارية التي تضمن مطابقة أي مبنى للحد الأدنى المقبول من شروط السلامة والحماية من الحريق والصحة. ويحدد الكود مسؤوليات جميع الأطراف بما في ذلك الشركة المصممة ومالك المبنى والجهة المراقبة. ويغطي هذا الكود كافة أنواع المباني بما فيها المدارس والمنشآت التعليمية. ويمكن تشبيه كود البناء في أي مكان في العالم بالدستور أو المرجعية العليا التي لا يمكن لأي جهة مهما كانت خصوصيتها أن تتجاوزه عند تصميم وبناء وإدارة المباني. إن التطبيق الصارم والأعمى لهذا الكود وربطه بإطار قانوني يسمح بمحاسبة جميع الأطراف المخالفة له سيحد وبشكل كبير من الإهمال والأخطاء التي تؤدي إلى مآسٍ كحريق براعم الوطن. قبل 100عام أحدثت حادثة حريق مشغل تراينغل للملبوسات في نيويورك والتي توفيت فيها 120 عاملة ثورة في ثقافة التقيد بقوانين البناء والوقاية من الحريق. والأمل قائم بأن تحدث مأساة براعم جدة تأثيرا مماثلا يمنع تكرارها.