من الإحباط الذي يشل العقل تماما أن تعرف أنه لا يزال بيننا من يؤمن بالوهم ويرحب بالسذاجات ويدمن سماع الأدلة العجفاء البليدة الناسفة للنظريات والحقائق العلمية؛ لأنه ببساطة لا يريد أن يصدق ودماغه ناشف من كل سائل ذي جدوى. لكن وقت أن تجده يسمع عن اصطراخ العفاريت أو تجسيد الإكتوبلازم وتحضير الأرواح أو قصة عن الأشباح التي ماتت منذ ألفي عام ثم تعود تحمل المديات والشمعدانات معها فهو يصدق هذا بكل انبساط وإيمان بل وعيناه تلمعان حماسا. تجده يتكلم في غشامة ونقض صريح لعلوم الجاذبية وقياس المسافات الكونية بين الشمس والأرض والتحدث عن مركزية الأرض وينفي في النهاية قصص الصعود للقمر ويزيد أننا نحن العرب ضحايا خدع قذرة لفقها لنا ظرفاء الغرب، يا لها من دعابة. لا يسعك هنا سوى مطالبته بالدليل الذي لن يخرج عن نطاق الإنترنت وحوارات المنتديات الرخيصة أو مدونات المتحذلقين الذين يألفون الخرافة وتألفهم، وتجدهم يسمون الثبوتات العلمية بأسماء سلافية لا تستطيع فهمها فلا تجد سوى كلام مملا ليس عليه دليل ولا توثيق ولا تجربة. ولو ساء معك الحظ وتطارحت معه بعض المسائل سينظر لك نظرة المخطئ الذي لا يملك سوى أن يخطئ وربما يقول لك: (هذه نظريات لم أستطع أن أحبها هكذا لم أستطع، ولم أستطع أيضا أن أقتنع وألزم عقلي بها هكذا لم أستطع). إن هذا الطراز (وما أكثره) لا يملك دليلا مستوعبا لكنه يتبع حدسه في خنوع، يرى أن إحساسه لا يخيب؛ لأنه ببساطة لم يستطع أن يقتنع، وأما موضوع التنقيب والبحث فتركه لغيره، ولو سمع عن ضربة علمية جديدة تنافي ما بين جنبات رأسه من كلام فارغ حينها سيبتسم في تشف ويصبغ الموضوع صبغة دينية ويقول لك الحقيقة التي ستهب العلم مرونة لا تقاس وهي أن مثل هذا الكلام قديم وموجود منذ عام كذا وكذا في موروثاتنا وقدسياتنا ولا يعد الأمر مكسبا علميا خطيرا. هذه النظرة التعيسة الآثمة للحقائق العلمية المثبتة لا تنبئ بعالم يصنع المنجز ويحيك التحضر ويعلن النمو، إن جيلا يكتفي بعرض المشكلات الطبية على شريط الشات فتنهال عليه الحلول البيزنطية وكل يداوي من بيته وكل فيهم يصير في لحظة (طبيبا نابغة)، أو جيلا يتعالج بالحلبة والحلتيتة من داء الغرغرينا ويهزأ بالمشافي والصيادلة جيلا لا يطمئن ولا يبشر بخير. العالم الأول لم يصل لما وصل إليه إلا وقت أن تجرد عبيد الفضول العلمي فيه من السلوك الوهمي والحدس واتجه لليقينيات وأخرج عالمه في أجل صورة متحضرة. بالمناسبة اليابان تعتزم إنشاء مطعم للبيتزا على سطح القمر وستكون تكلفة البيتزا تابعة لكل تكاليف الرحلة، لو أن فردا منا صعد للقمر بغية الوصول لهذا المطعم وعاد وفي يده قطعة منها فهل تكون دليلا حيا ملموسا ومأكولا وواعيا على مصداقية الصعود لسطح القمر؟ [email protected]