كان عتابا حميميا، بدآه في تودد، وسافر بهما من رياض الحوار إلى بيداء التشاجر وهما لا يشعران، فإذ بهما في سجال شحن قلب كل واحد منهما بحب نصر الذات، وأظلتهما غمامة ذكرى جراحات لا تخلو منها حياة زوجين، وأخذ الزوج يقلب المواجع في نفس زوجته بتأنيبها على ما بدر منها في يوم كذا وكذا وكذا، وهي ترشقه بنبال زلاته التي استخرجتها من دفتر ماضيها معه الحافل في رأيها بإساءته، وانفض مجلسهما وكل واحد يرى صاحبه في جلباب العدو، سبحان الله وكأنه لم تكن قبل بينهما مودة ورحمة، لم يجد الزوج بدا من أن يهرب من دار يراها بعد التخاصم محرقة تلتهم سعادته بلفحاتها، وأما هي فصمت وعبرات وزفرات، ويعود الزوج ولا يسلم ولا هي تستقبله بترحاب. المسافات الروحانية بعيدة بينهما مع مقامهما في بيت الزوجية، إنها كلما أرادت أن تدخل الحجرة معتذرة جذبها شيء في جنبات صدرها يقول لا لا لا تذهبي دعيه فإنه هو الظالم المسيء في حقك، والزوج كلما دعاه العطف عليها أو هزه شوق إليها ثار في صدره جمر يصرخ لظاه لا تتعطف لا تشتق إليها إنها هي المذنبة. وفي ليلة نشر ضياء القمر الأفراح في نفوس سمارها هبت نسائم ذكرى المحبين، حاملة أريج المودة في سماء قلبين ذاقا الحب زمنا مديدا، دخل الزوج يسوقه مع تلك المشاعر إذعان لأمر ربه سبحانه وعقل وحكمة، ولقيته الزوجة بقلب تعافى بطاعة الله وغسل نمير الوله جراحاته فأزال عنه غشاوة الحنق فأبصر درب الحب مرة أخرى. أحبتي القراء هناك شيء ألحظه في كثير من القصص التي تحصل بين زوجين حكماني في ما شجر بينهما، إنهما يغفلان عن كيد الشيطان، وإنه المتسبب في ما حصل بينهما من خصومات. روى الإمام مسلم في صحيحه وغيره، عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئا، قال ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال فيدنيه منه ويقول نعم أنت. قال الأعمش أراه قال فيلتزمه. قلت فتأمل يا رعاك الله كيف أن الشيطان يبعث سراياه ويقّرب منه من أحدث فتنة بين زوجين، ولذلك فإنك ترى الزوجين المتخاصمين يشعر كل واحد منهما ببغض للآخر وقت التخاصم، ولا يزال الشيطان يذكر كلا الزوجين بمجريات مواقف تخاصم مؤلمة وأخرى مثيرة للحقد، ويجرئهما على سلوك طريق البغي وتزداد الفجوة وتعظم الهوة، ولو أن الزوجين تذكرا مكر عدوهما عند المشاحنة لقالا بعزم لن نفرحك يا إبليس، فقد علمنا أنك صانع الفتن مثير الأحقاد وفقهنا كيف نتقي كيدك ونبطله. أحبتي القراء من اليسير الأخذ بأمور نتحصن بها من كيد الشيطان ومكره، ولعلي في مقال قادم بإذن الله أذكر طرفا منها. * المشرف على الدعوة والإرشاد فرع وزارة الشؤون الإسلامية في المدينةالمنورة وخطيب جامع الخندق [email protected]