في أوائل التسعينات الهجرية عينت معلما في إحدى المدارس الابتدائية في مكةالمكرمة بعد تخرجي من المعهد الثانوي للمعلمين، فلما دخلت الفصل الدراسي الذي كلفت بتدريس طلابه وكانوا في الصف الرابع الابتدائي فوجئت بشاب في السابعة أو الثامنة عشرة من عمره جالسا بين التلاميذ الصغار الذين كانوا في سن العاشرة، ولاحظت أنه كان يحلق ذقنه حتى يبدو أصغر من عمره الحقيقي، فتعجبت من حالته وسألت عنه المدير فأخبرني أنه وغيره من ضحايا النجاح الآلي الذي طبق في الصفوف الدنيا من المرحلة الابتدائية أي أولى وثانية وثالثة وذلك في بداية الثمانينات الهجرية لمدة ثلاث سنوات ثم ألغي بعد ثبوت مضاره التربوية والتعليمية حيث كان الطالب ينقل «آليا» من الصف الأول للثاني للثالث للرابع، فإن كان نجاحه على أساس سليم واصل النجاح إلى الصف الخامس فالسادس فالمتوسطة وهكذا، وإن كان من أتباع شركة «دفو» للأعمال الاستشارية برك عدة سنوات في الصف الرابع لأن النجاح منه يتطلب الاختبار فيما يزيد على عشر مواد دراسية، فكيف لمن نجح عن طريق «الدف» متجاوزا جميع تلك المواد؟ وعندها زال تعجبي ونصحت ذلك الشاب بالتحول إلى الدراسة المسائية أو مساعدة والده في متجره بشارع الغزة فترك الدراسة وأصبح تاجر تجزئة في مجال الأدوات المنزلية!. وقد ذكرني بما سبق أن وزارة التربية والتعليم طبقت خلال السنوات الأخيرة ما يسمى بالتقويم المستمر الذي هو الوجه الآخر لنظام النجاح الآلي، بل وتوسعت فيه حتى أنها شملت به جميع صفوف المرحلة الابتدائية ثم أعلنت بعد سنوات من التطبيق تمسكها به بحجة أن العديد من الدول المتقدمة تطبقه فكيف تتراجع هي عنه لوجود انتقادات أو شكاوى أو ملاحظات؟! وأرى أن الوزارة الموقرة قد ينطبق عليها قول أبي نواس: فقل لمن يدعي بالعلم معرفة عرفت شيئا وغابت عنك أشياء ؟!. فالوزارة حفظها الله بنت تمسكها بالتقويم المستمر على أساس أنه مطبق في دول متقدمة، ولكن هل هذا النظام مطبق في تلك الدول بالطريقة نفسها التي طبق بها في مدارسنا، وهل مستوى المعلم والبيئة المدرسية والمناهج والأجهزة والمتابعة التعليمية والتربوية والإدارة المدرسية لديهم مثل مستواها لدينا، وإذا أدى التقويم المستمر إلى صعود طلاب إلى المرحلة المتوسطة وهم لا يجيدون القراءة والكتابة ناهيك عن إتقانهم الحقيقي لبقية المهارات في المواد العلمية والنظرية فكيف سيواصل أولئك الطلاب دراستهم المتوسطة والثانوية ثم الجامعية، هل سنحتاج مرة أخرى إلى خدمات شركة «دفو»، وهل ينفع عندها البكاء على اللبن المسكوب؟!. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 162 مسافة ثم الرسالة