من بين ثلاثة ملايين حاج أكتب مقالي من صعيد منى الطاهر، أكتب وأنا أنظر للحج كمرآة تربوية لحال أمتنا، فهو بحق ترمومتر تربوي للفرد وللأمة، مرآة تربوية تعكس لنا إيجابيات وسلبيات أمتنا، نرى بتلك المرآة الحقيقية كل التفاصيل بلا مجاملة ولا مخادعة ولا نفاق، ترصد بكل زاوية الحق الحقيق نرى بزاوية منها الحال الديني نرى فيه فقهاء التعسير بفتاواهم المتشددة المغالية وفقهاء التمييع بفتاواهم المعاكسة لروح الدين وفقهاء الوسطية بفهمهم الراقي الواقعي المراعي لمصالح العباد والبلاد، ومن خلال تلك الزاوية نرى غلبة أي جناح على عموم الأمة وبزاوية اجتماعية نرى حال أمتنا نرى الزوج الرؤوف والأب الحنون أو الأم العنيفة المعنفة، نرى الحب والتلاحم أو نرى السب والتزاحم، وفي الزاوية البيئية نرى السلوك الإسلامي وروح الحج في الحفاظ على البيئة من خلال منع الصيد أو قطع الشجر، وعلى المقابل رمي المخلفات بطريقة بشعة بل استمتاع البعض بفهم مغلوط بالنوم وسطها تعبدا، وبزاوية اقتصادية نرى الإسراف في جلب الهدايا للأصحاب والأقارب ولو على حساب الضروريات، نرى حتى الإسراف في العمل الخيري وبغير موضعه وإهدار كم هائل من المال والطعام والشراب تعبدا في غير موضعه ، نرى بالزاوية السياسية ما للحدود من تأثير وما للجنسيات والأعراق من سيطرة أو جانب، «وإن هذه أمتكم أمة واحدة .. »، وغلبة أي جانب على الآخر، وبزاوية العمل الخيري نرى نداءات في تلك الزاوية تدعو العاملين بالحقل الخيري أن انتقلوا من العشوائية إلى التنظيم ومن السطحية إلى العمق ومن التنافس إلى التكامل ومن الفردية إلى الجماعية، وبزاوية حضارية نرى مشاريع عمرانية فخمة تناطح المشاريع العالمية بجودة عالية وتصميمات راقية، نرى بتلك الزاوية قطارات، مباني، طرقا، خططا، ومع تلك الزاوية نداء عاجل أن مع الخطط لا بد من سلوك ومع المباني والطرق لا بد من فهم، ياليت يفقه التربويون هذه المرآة الصادقة والترمومتر المتنوع المتعدد القياس لنرصد من خلاله نقاط قوتنا وضعفنا ثم نرسم خططنا التربوية لكل عام بعد الحج فهيا هيا لتعاليم ديننا وآثار حجنا. * مستشار أسري [email protected]