11 فرصة عقارية بمزاد رواسي جدة    العليمي: تصنيف الحوثي «إرهابية» مدخل لإحلال السلام والاستقرار بالمنطقة    قوات الاحتلال تعتقل 22 فلسطينيًا في الضفة الغربية    «الاحتلال» يصعد جرائمه في جنين.. مقتل مدنيين وإصابة مسن في هجوم إسرائيلي    ولي العهد يتلقى اتصالًا هاتفيًا من وزير الخارجية الأمريكي    فرص تطوعية إسعافية لخدمة زوار المسجد النبوي    وصول الطائرة الإغاثية السعودية الثانية عشرة لمساعدة الشعب السوري    تجمع القصيم الصحي يستعرض برامجه التدريبية والتأهيلية في ملتقى فرصتي 4    نمو قطاع خدمات الإقامة والطعام بالمملكة 10٪    رابطةُ العالَم الإسلامي تُدين هجومَ قوات الاحتلال الإسرائيلي على مدينة "جنين" في الضفّة الغربية    هطول أمطار متفاوتة الغزارة على معظم مناطق المملكة.. ابتداءً من اليوم وحتى الاثنين    استراتيجية جديدة ونقلة نوعية قادمة لاتحاد التايكوندو    «عكاظ» تكشف تفاصيل السياسة الوطنية للقضاء على العمل الجبري    «أكاديمية الإعلام» تبحث تطوير الكفاءات الوطنية    ولي العهد للرئيس الأمريكي: توسيع استثمارات السعودية مع الولايات المتحدة ب 600 مليار دولار    اتحاد بنزيما «شباب وعميد»    بين «الجوادي» و«الحاتمي».. أحلامُ خيطٍ رفيع    الفيصلي يستقبل الجبلين.. وجدة ضيفًا على الجندل    السعودية تستعرض ثمار رؤيتها 2030    حرائق أمريكا.. هل من مُدَّكِر؟!    أفراح آل حسين والجحدلي بزواج ريان    الزميل رابع سليمان يجري عملية جراحية    عاصم يحتفل بقدوم عمر    مهرجان الخرج للتمور    أمير الشرقية يستقبل الفائزين من "ثقافة وفنون" الدمام    مدير الأمن العام يستقبل نظيره الجزائري    1000 معتمر وزائر من 66 دولة هذا العام.. ضيوف» برنامج خادم الحرمين» يتوافدون إلى المدينة المنورة    رئاسة الحرمين تفعّل مبادرة «توعية قاصدينا شرف لمنسوبينا»    «فيفا».. عروس الجبال والمطلات الساحرة    البازعي ل«عكاظ»: الجيل الحالي نشأ في فضاء أكثر انفتاحاً ووعياً بأهمية الحوار    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالسويدي ينهي معاناة مراجع مع مضاعفات عملية تحويل المسار بجراحة تصحيحية نادرة ومعقدة    3587 عملية قلب مفتوح وقسطرة في صحي جازان    مستشفى الرين يحقق قفزة نوعية في «2024»    سعود بن نايف يكرم الداعمين لسباق الشرقية الدولي للجري    قرعة كأس آسيا تحت 17 عاماً تسحب اليوم    وصية المؤسس لولي عهده    القيادة تعزي الرئيس التركي في ضحايا حريق منتجع بولو    شهقة ممصولة    هندسة الحروب بين الشعوب!    سليمان المنديل.. أخ عزيز فقدناه    ندوة الإرجاف    المجتمع السعودي والقيم الإنسانية    ثقافة الابتسامة    تسويق الأندية الرياضية الأربعة الكبار    وزير العدل يلتقي السفير الصيني    مختل «يذبح» جاره في مصر.. مصدر أمني ل«عكاظ»: القاتل يهذي بكلمات غير مفهومة    نموذج الرعاية الصحية.. الأثر والرعاية الشاملة !    مستشفى الملك فهد الجامعي يجدد اعتماد «CBAHI» للمرة الرابعة    الفن التشكيلي السعودي في كتاب    "لسان الطير"    اختتام المخيم الكشفي التخصصي على مستوى المملكة بتعليم جازان    "ملتقى القصة" يقدم تجربة إبداعية ويحتضن الكُتّاب    أعمال العنف تؤكد رغبة إسرائيل في تعزيز الاستيطان    رابطة العالم الإسلامي تعزي تركيا في ضحايا الحريق بمنتجع بولاية بولو    حسام بن سعود: التطوير لمنظومة العمل يحقق التطلعات    بدء أعمال المرحلة الثانية من مشروع تطوير الواجهة البحرية لبحيرة الأربعين    الأمير محمد بن ناصر يدشن المجمع الأكاديمي الشرقي بجامعة جازان    وفد "الشورى" يستعرض دور المجلس في التنمية الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقافة البكاء والموت
نشر في عكاظ يوم 11 - 11 - 2011

قال تبارك وتعالى: .. (كل من عليها فان) (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والأكرام) (الرحمن: 27) وقال أيضا في سورة الواقعة: .. (نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين). وجاء الخطاب الإلهي بصورة أكثر وضوحا حين قال الجبار المتكبر: (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم) (الجمعة: من الآية 8). ثم جاءت السنة النبوية الشريفة لتحكي لنا الكثير من ثقافة وفلسفة الموت، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ..(لايتمنى أحدكم الموت إما محسنا فلعله يزداد وإما مسيئا فلعله يستعتب). وعن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ..(من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قالت عائشة أو بعض أزواجه: إنا لنكره الموت، قال: ليس ذاك ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حضره الموت بشر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه كره لقاء الله وكره الله لقاءه).
حضرت قبل مدة دفن ميت في مقبرة المعلاة في مكة المكرمة، وشاهدت ورأيت العشرات من عقلاء ووجهاء وأغنياء وفقراء المجتمع، وجلست أتفرس في قراءة بعض الوجوه بأمل تكوين رؤى فلسفية حول هذا الموقف الرهيب وأعني به حضور مراسيم .. (دفن الميت).. بهدف الوصول إلى تكوين تصور كنت أسعى إليه منذ أمد بعيد أنه .. (ثقافة البكاء والموت).. المفروض أن تحتل هذه الثقافة مساحة كبيرة من تفكيرنا في هذه الحياة. وإن جاء تذكيرا موجعا على النفس، ولكن لابد للنفس أن تعرف ما تحت الرماد.
كما قال الإمام الشافعي:
تمنى رجال أن أموت وإن أمت
فتلك سبيل لست فيها بأوحد
وما موت من قد مات قبلي بضائري
ولا عيش من قد عاش بعدي بمخلدي
لعل الذي يرجو فنائي ويدعي
به قبل موتي أن يكون هو الردي
ويظن الكثير من الناس أن تذكر الموت يعتبر هزيمة تسبب جراحا غائرة في أحشاء النفسية. ولكن الإنسان المسلم يساعده في عملية التذكر المفاعل الكيميائي الذي يصهر كل الرذائل في الذات البشرية. فأعتقد أن.. (البكاء) الذي يمارسه الكثير من الناس في القبور وغيرها إنما هو نابع من الخوف على مصيره، فالبكاء ليس على الميت، بل إنه بكاء على الذات حين تجلد وتصارح نفسها لتكتشف عيوبها ونواقصها. إنه الجزع على النفس الذي يسيطر على الذات بكل طقوسه. وكل من يبكي على ميت غاب عنه إنما يتذكر قول أبي العلاء المعري:
فلا تطلب الدنيا وإن كنت ناشئا
فإني عنها بالأخلاء اربا
وما نوب الأيام إلا كتائب
تبث سرايا أو جيوشا تعبا
وتزداد فلسفة شاعر الفلاسفة، وفيلسوف الشعراء حين قال:
موت يسير معه رحمة
خير من اليسر وطول البقاء
وقد بلونا العيش أطواره
فما وجدنا فيه غير الشقاء
تقدم الناس فيما شوقنا
إلى اتباع الأهل والأصدقاء
ما أطيب الموت لشرابه
إن صح للأموات وشك التقاء
وفي القبور تشاهد أناسا بلا موت، وموتا بلا أناس. هناك أشعر بشفافية الموت ورقته من سمك.. (الدود).. الذي سوف يأكل ويسحق الأجساد ويمزقها إلى قطع أصغر، لتحيا حياة أخرى من ميت. إنها القدرة الإلهية. لا تقف أمامها صلابة الشجعان وتنهار أمامها كل أنواع البطولات. إن.. (البكاء).. ليس على الميت ولا على فراقه، بل تجد أن الباكي كاره للحياة، يائس منها، مقهور في تفاعلاتها، مضطرب مع أحداثها.
فهل البكاء احتجاجا على وضع ما ؟!
إن.. (البكاء).. الذي يرافق الموت أعتقد أنه يعبر عن تصرفات قاسية لاتحتملها النفس فتبوح بها عند توفر أي مخرج هندسي تجده مناسبا. نعم.. يرافق (البكاء).. اضطراب رهيب يقلب كل الموازين. والأمر المستغرب في أداء طقوس دفن الموتى أن بعض الحضور لايعذبه حضوره أو تواجده في القبور. ليتذكر عذاب القبر، أو محاسبة ضميره، أو الجنة أو النار حتى تدمي نفسه، فالتفكير في هذه المسلمات أبعد ما يكون عند البعض أو الكثير. بل قد نشاهد أغلى الثياب والعباءات والمسابح الذهبية التي تلتف حول عنق الكف وتسمع قرع أغلى الأحذية الإيطالية وغيرها. وقد تسمع أحاديث في البيع والشراء أو السؤال والتعقيب على معاملة أو إجراء ما في جهة حكومية أو قطاع خاص.
إنهم السامعون بلا سمع ولا صدى!.
إنهم الراؤون بلا عيون!.
يغفل الباكي إنما بكاؤه جاء نتيجة مرارة الانحطاط، وبكل أنواع الانكسارات التي ذاقتها نفسه. فيتذكر طعم حرارة المرارة وبكل قسوة، ويستعرض كل صور الكآبة التي مر بها ومرت عليه. إنها الإثارات الإنسانية. إن الفساد ليس في.. (البكاء).. إنما في فساد نفوسنا وضمائرنا وعقولنا. إن تفكيري هذا هو دعوة ليقظة الضمير وشيء من حساسيته. إننا ميتون.. وبألوان من الموت. تحت عبء تحولات الحياة المستحيلة. رباه كيف نستطيع تحمل أعباء هذا الموت الذي يتربص بنا، إنه تأكيد لقوله تعالى.. (كل من عليها فان).
وهل نقوى على تحمل غضب بكاء الموت؟!.
ولا تسرقوا أفراح الموتى ببكائكم الزائف؟!.
فما يتبقى للميت من قوة إلا سجلاته وكتبه التي يحملها بيمينه أو شماله. لانريد أن تكون أمتنا من تقاليدها.. (صناعة الموت).. لا نريد أن يكون البكاء على الميت ظاهرة نفسية تصيب الأمة في أفرادها. لانريد أن تكون ثقافة البكاء هي البيئة الوحيدة لتفريخ أوجاعنا وهمومنا ومنغصاتنا. بل نريد أن تكون ثقافة محاسبة النفس كما قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه:.. (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم). لانريد أن تكون.. (شرنقة بكاء الموت).. هي.. (كفن).. في النهاية نلف به عيوب أجسادنا وأخلاقنا. إنه التمزق في علاقة الذات بالذات. إنني لا أريد أن يقال ما قاله أدونيس:.. (مهيار وجه خانه عاشقوه)..، إن (مهيار) في ظني هو رمز لتلك النفس العنيدة الشفافة والحساسة المرهفة والأخلاقية المستقيمة.. إنني لا أريد للبكاء على الميت أن يصبح عبئا وهما ووجعا على ذواتنا، في حين أنه كان مخرجا يريح الروح من عبء الحدث ورهبة الموقف. لا أريد أن نبكي إلا بفجيعة في أعز ميت. لا أريد أن يكون البكاء على الميت حادثا استثنائيا أو نذير شؤم. أريده أن يكون منسجما مع النفس، لتخفف حدة التوتر والانفعال الذي نعيشه بسبب هذه الحياة وتحدياتها المختلفة. والله يسترنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض، وساعة العرض، وأثناء العرض.
للتواصل: 5366611
[email protected]
* أديب وكاتب سعودي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.