تتسع الفجوة بين الخطاب الرسمي حول علاقات السودان بجنوبه الذي استقل أخيرا، وبين الواقع الذي يحمل نذر مواجهات تبدو شديدة الاحتمال بين الدولتين الجارتين. عمليات الاحتواء الحثيثة التي ظلت تجري، بدءا من حضور الرئيس عمر البشير شخصيا لاحتفالات الاستقلال التي أقيمت في جوبا، مرورا بالتطمينات التي ظل الطرفان يبثانها بعدم العودة مجددا لمربع الحرب.. وآخرها، تلك التي بثتها منابر الإعلام عقب زيارة سلفاكير إلى الخرطوم الشهر الماضي. رغم كل ذلك، ظلت عوامل الثقة غائبة بين المتنفذين في الطرفين، واستمرت عمليات الشد والجذب، وتواصلت الملفات المفتوحة المتعلقة بأبيي، النيل الأزرق، وجنوب كردفان في استحداث حالة من هواجس وترقب، فضلا عن العلاقة المقلقة بين الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال، والحركة الشعبية التي تحكم الجنوب في الوقت الحاضر.أخبار جنوب السودان أشارت في الأيام الماضية إلى مذكرة أثارت جدلا واسعا، أي تلك التي دفع بها الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم تطالب باستمرار الدعم من حكومة الجنوب لحاملي السلاح في دارفور، جنوب كردفان، والنيل الأزرق. وقبل أن يجف الحبر الذي كتبت به المذكرة، تواترت الأخبار عن الهجوم الواسع الذي شنته الحركة الشعبية قطاع الشمال على ست مناطق جنوب كردفان مطلع الأسبوع، والذي جعلها حسب مصادر الحركة على مشارف مدينة كادوقلي. الهجوم أثار ردة فعل سريعة لدى الخرطوم، وذلك من خلال اتهام صريح وجه إلى حكومة الجنوب بالضلوع في الهجوم المسلح، وتقديم الدعم المباشر للمسلحين. وقال الناطق الرسمي للقوات المسلحة السودانية العقيد الصوارمي خالد سعد إن المهاجمين من عناصر الجيش الشعبي جرى تجميعهم وتدريبهم في منطقة حدودية بالقرب من مدينة بانتيو في ولاية الوحدة في دولة جنوب السودان، مشيرا إلى أن بعض هؤلاء المهاجمين يتبعون للفرقة الرابعة مشاة في الجيش الشعبي لدولة جنوب السودان. تتمثل خطورة هذه التصريحات في أنها قد تكون مقدمة لمواجهات مسلحة بين البلدين، خاصة أن التداخلات القبلية وتحالفات الأمس والملفات المفتوحة منذ اتفاقية «نيفاشا» لم تزل ماثلة السخونة وقابلة للاشتعال. يستبعد بعض المراقبين تدهور العلاقات بين السودان ودولة جنوب السودان لتبلغ درجة المواجهات الشاملة، ويستندون في ذلك إلى أن عقلاء الطرفين يدركون «الأوجاع» التي يمكن أن يعانيها كل طرف جراء أي حرب من شأنها أن تنشب، إذ يدركان أن كلا منهما يملك من الأوراق ما يجعل جسد الآخر مثخنا بالجراح التي لا داعي كي تنكأ. بيد أن آخرين يرون أن الاستقلال لن يكون بلا ثمن، فالمرارات الشمالية بانفصال الجنوب، والمرارات الجنوبية بفشل مشروع جون قرنق الذي أسماه «السودان الجديد»، جميعها تضغط لناحية التخندق والتعبئة، انتظارا لمواجهات تبدو شديدة الاحتمال في منظور قد لا يبدو بعيدا.