متأخرين بما يكفي عن الشعر، وعن توماس ترانسترومر. نوبل تعود الآن إلى الأبيات والإيقاعات، بعد أن ملت الأبطال والروايات. الشعر لا بطولة فيه لأحد، القصيدة وحدها البطل والأحداث والبداية والنهاية. تأخر العالم ستة عشر عاما ليمنح الشعر جائزة هو في الأصل أكبر منها. إذا الشعر جائزة نفسه. والشاعر من يهب العالم الجوائز قصائد، لا العكس. الشعراء الحقيقيون دائما، أقلية نادرة. لا أحد يسمع بهم. يهمسون شعرهم في أذني العالم. ويرسمون صورهم في عينيه. لهذا حين يجيء التكريم إلى ساحاتهم، يكون متأخرا عن الشقة الكابية، في ستكهولم. منذ عشرين عاما، تقرب المذياع كل خميس اكتوبري، لتسمع اسم الفائز الآخر. هذه المرة كان جواب الشاعر الكبير: «حسن. حسن جدا» وابتسم. حصد شعراء الظرفية الضاجة وبرامج «الترشيح» المزاجي أوسمتهم، ورحلوا متناسلين على ورق المديح. ثم ماذا، يترشحون للجائزة، بينما الأصح أنهم يترشحون، يتبخرون، ولا يبقى منهم شيء، سوى شفقة الآخرين، ولهفة الأقربين، على مأساة تتكرر كل عام. الشعر يؤتى، ولا يأتي. يعطى، ولا يشحذ. يكرم، لا يتوسل أو يتسول. لم يعتزل ترانسترومر الشق السياسي من الحياة. لأنه لا أحد يستطيع العيش دون السياسة بدرجة أو بأخرى، بوصفها الحياة المطلقة. يقول في نص سياسي من الدرجة الأولى، وتحديدا في نصه «أصدقاء خلف الحدود»: «سنلتقي بعد مئتي سنة عندما ستصبح أجهزة التنصت في جدران الفندق نسيا منسيا، وتخلد أخيرا إلى النوم، وتتحجر». هذا شاعر سياسي، لكنه لا يمتهن اليومي ولا الزائل. بل ذلك الخالد مئتي عام وأكثر من تهاويل الواقع الآني. عقب سنوات من الكتابة الشعرية، كتب توماس مذكراته، تحت عنوان «الذكريات التي تراني»، ناثرا حكايات شعره هذه المرة. ومبينا أن الصبي الصغير لم يعد نشيطا بما يكفي لملاحقة الفراشات في غابات أزهار العالم العذراء. لتلاحقه الجوائز بعد ذلك. وليصير الطفل كبيرا بما يكفي لعمر الثمانين عاما بحثا عن قصيدة، وكسولا بعض الشيء، إلا عن الموسيقى. وتهتم به أم حنون ومتفهمة كثيرا لكل ما يجول في خاطر صبيها العجوز، وما تتطلبه القصيدة من أتعاب الولادة. لا يحتاج توماس ترانسترومر للكلام معها. تكفيه الإشارة القلبية، وتجيب. ليس على أسئلته، بل على كل صحافيي العالم، أين تكن لغاتهم. الأم هذه المرة، كانت زوجته «مونيكا». الشاعر أحيانا، ليس وحده. الشاعر أحيانا، قصيدة كاملة، تؤلفها عدة شخوص بقلب واحد. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 252 مسافة ثم الرسالة