تشير بعض المصادر التاريخية إلى أن سيدنا إسماعيل عليه السلام أول من كسا الكعبة، والبعض الآخر يذهب إلى أن عدنان جد النبي صلى الله عليه وسلم الأعلى هو أول من كساها، غير أن الثابت تاريخيا أن أول من كساها هو تبع أبي كرب أسعد ملك حمير سنة 220 قبل الهجرة بعد عودته لغزوة يثرب. روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن سب تبع ملك حمير بقوله: «لا تسبوا تبعا، فإنه كان قد أسلم»، وكان تبع هو أول من كسا الكعبة كسوة كاملة، كساها «الخصف»، تدرج في كسوتها حتى كساها «المعافير»، وهي كسوة يمنية، كما كساها «الملاء»، وهي كسوة لينة رقيقة، وعمل لها بابا ومفتاحا، ثم تبعه خلفاؤه من بعده فكانوا يكسونها «الوصايل»، وهي أثواب حمر مخططة، و «العصب» وهي أثواب يمنية يعصب غزلها؛ أي: يجمع ويشد. وأخذ الأمراء في تقديم الهدايا إليها من الأكسية المختلفة، وكلما جاءت كسوة طرحت سابقتها، إلى أن جاء عهد «قصي بن كلاب»، ففرض على القبائل رفادة كسوتها سنويا، وما زالت قريش تقوم بكسوة الكعبة حتى زمن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي، وكان من الأثرياء، فقال لقريش: أنا أكسو الكعبة وحدي عاما وجميع قريش عاما، فوافقت قريش، وسمي بذلك «العدل»، لأنه عدل بفعله قريشا كلها. أما أول امرأة كست الكعبة في الجاهلية فهي «نبيلة بنت حباب» أم العباس بن عبدالمطلب، وكانت قد نذرت ذلك، وكانت تكسى الكعبة قبل الإسلام في يوم عاشوراء، ثم صارت تكسى في يوم النحر، ثم في ذي القعدة فيعلقون كسوتها إلى نحو نصفها، ثم صاروا يقطعونها فيصير البيت كهيئة المحرم، فإذا حل الناس يوم النحر كسوها الكسوة الجديدة. وبدأ العصر الحديث لكسوة الكعبة في عام 1346ه، عندما أصدر الملك عبدالعزيز آل سعود أمرا ملكيا بتشييد مصنع أم القرى الخاص بصناعة الكسوة الشريفة، وجلب له أبرع الفنيين والعمال المهرة، وفي عام 1382ه، صدر مرسوم بتجديد المصنع، واستمر إنتاجه حتى عام 1977م، وافتتح الملك عبدالعزيز مقرا جديدا في أم الجود الذي يؤدي رسالته مواكبا للتطور العلمي والفني، ويتكون المصنع من ستة أقسام، هي: الحزام والنسيج اليدوي والصباغة والنسيج الآلي والطباعة والستارة الداخلية. وتمر كسوة الكعبة المشرفة بخمس مراحل، الأولى تتم فيها إزالة الصمغ، وتتم في أحواض ساخنة تحتوي على صابون زيت الزيتون وبعض المواد الكيميائية، ثم تغسل بالماء عدة مرات حتى تعود للون الأبيض الناصع، تليها الصباغة، وتتم في أحواض ساخنة تمزج فيها الأصبغة المطلوبة، وهي: الأسود بالنسبة للكسوة الخارجية للكعبة المشرفة، والأخضر لكسوتها الداخلية، وفي المرحلة الثانية يأتي النسيج، ثم مرحلة التصميم، ثم الطباعة، والتطريز. وعقب جميع هذه المراحل ينظم في موسم حج كل عام احتفال سنوي في مصنع كسوة الكعبة المشرفة يتم فيه تسليم كسوة الكعبة المشرفة إلى كبير سدنة بيت الله الحرام، ويسلمها الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف كما يسلم كيسا لوضع مفتاح باب الكعبة تم إنتاجه في المصنع. ويستهلك الثوب الواحد 670 كجم من الحرير الطبيعي، ويبلغ مسطح الثوب 658 مترا مربعا، ويتكون من 47 طاقة قماش طول الواحدة 14 مترا بعرض 95 سنتيمترا، وتبلغ تكاليف الثوب الواحد للكعبة حوالى 17 مليون ريال سعودي؛ هي تكلفة الخامات وأجور العاملين والإداريين وكل ما يلزم الثوب. ويبلغ عدد العاملين في إنتاج الكسوة 240 عاملاً وموظفا وفنيا وإداريا، وتصنع كسوة الكعبة المشرفة من الحرير الطبيعي الخالص المصبوغ باللون الأسود المنقوش عليه بطريقة الجاكار عبارة «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، «الله جل جلاله»، «سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم»، «يا حنان يا منان». كما يوجد تحت الحزام على الأركان سورة الإخلاص مكتوبة داخل دائرة محاطة بشكل مربع من الزخارف الإسلامية. ويبلغ ارتفاع الثوب 14 مترا، ويوجد في الثلث الأعلى من هذا الارتفاع حزام الكسوة بعرض 95 سنتيمترا، ومكتوب عليه بعض الآيات القرآنية ومحاط بإطارين من الزخارف الإسلامية ومطرز بتطريز بارز مغطى بسلك فضي مطلي بالذهب، ويبلغ طول الحزام 47 مترا، ويتكون من 16 قطعة، كما تشتمل الكسوة على ستارة باب الكعبة المصنوعة من الحرير الطبيعي الخالص، ويبلغ ارتفاعها سبعة أمتار ونصف، وبعرض أربعة أمتار مكتوب عليها آيات قرآنية وزخارف إسلامية ومطرزة تطريزا بارزا مغطى بأسلاك الفضة المطلية بالذهب، وتبطن الكسوة بقماش خام. كما يوجد ست قطع آيات تحت الحزام، وقطعة الإهداء و11 قنديلا موضوعة بين أضلاع الكعبة، ويبلغ طول ستارة باب الكعبة 7.5 متر بعرض أربعة أمتار مشغولة بالآيات القرآنية من السلك الذهبي والفضي، وعلى الرغم من استخدام أسلوب الميكنة فإن الإنتاج اليدوي ما زال يحظى بالإتقان والجمال الباهر، حيث يتفوق في الدقة والإتقان واللمسات الفنية المرهفة والخطوط الإسلامية الرائعة. ومن المعلوم أن الكعبة تستبدل ثوبها مرة واحدة كل عام، فيما يتم غسلها مرتين سنويا: الأولى في شهر شعبان، والثانية في شهر ذي الحجة، ويستخدم في غسلها ماء زمزم، ودهن العود، وماء الورد، ويتم غسل الأرضية والجدران الأربعة من الداخل بارتفاع متر ونصف المتر، ثم تجفف وتعطر بدهن العود الثمين.