«لا أعتقد أننا نطلب الكثير، نريد أن نستيقظ كل صباح دون أن نكون قلقين بشأن دفع الإيجار أو قيمة الوجبة التالية»، هذا مقتطف من حديث الطالبة في جامعة كولومبيا آيرين لاركينز، .. مواطنة في دولة رفاه، .. دولة وصفها أحد مفكريها بأنها، ومنذ الحرب العالمية الثانية، أرغمت العالم على ارتداء الجينز، واحتساء البيبسي والكوكا كولا، وأطعمته وجبات كنتاكي وماكدونالدز، وجعلته يتمايل طربا مع موسيقى الجاز والبوب، وأغاني مايكل جاكسون ومادونا، وصرفت أطفاله عن تحصيلهم بمخيلة ديزني لاند، وأدهشت كباره بأفلام هوليوود. وأجبرته على مطالعة أعمال وليام جيمس وجون ديوي الفلسفية، آرثر ميللر، وإرنيست هيمنجواي الأدبية. حذرته من المكارثية، وعبأت ذهنه بأيديولوجيات المحافظين الجدد. في شارع وول ستريت في حي مانهاتن النيويوركي، خرج المتظاهرون زرافات ووحدانا حانقين على أوضاعهم الاقتصادية المتردية، منددين بغياب العدالة الاجتماعية، رافعين أصواتهم ضد ما أسموه جشع الشركات، ورددوا: «الاقتصاد ينهار في بلادنا، والناس يتضورون جوعا، وليس لديهم وظائف. وعندما تسير في شوارع مانهاتن ترى المشردين تتزايد أعدادهم أكثر مما تتصور، الفكرة الخاطئة حول أن أمريكا تعتقد أنها وأننا بخير، نحن لسنا بخير، ويجب على المزيد من الناس أن يتكاتفوا كما نفعل هنا والتظاهر من أجل حقوقنا، وما نستحقه كبشر»، .. يحدث هذا في أمريكا سادتي. إن سلمنا جدلا أن المظهر العسكري يستحوذ على النفقات العامة، والطابع السياسي على الضرائب في الولاياتالمتحدة، فإن هذا الإنفاق العام لا يرمي إلى التشغيل بقدر انصرافه إلى تمويل العمليات القتالية الخارجية. فضلا عن أن الضرائب موجهة بتمويه متقن بغية الحصول على أصوات الناخبين، بدلا من الحصول على إيرادات لتمويل العجز المالي الماثل. وضمن مستخلص هذه المحصلة الممثل في التحديات التي واجهها الاقتصاد الأمريكي بعد الأزمة المالية الأخيرة، وهي تحديات تصطدم بها أي دولة تطلق العنان للرأسمالية، وتعلي مصلحة المستثمر والمستهلك الفرد علي حساب المواطن. الأمر الذي نبه له الكاتب الأمريكي روبرت رايش حين وثق: «لقد ازداد التوجه نحو الرأسمالية، وأصبحنا أكثر تجاوبا مع ما نريده كمشترين أفرادا وكمستثمرين، بيد أن الديمقراطية أضحت أقل تجاوبا مع ما ننشده مجتمعين كمواطنين». حديث مباشر وصريح ويضع الملح على الجرح، فإن كانت المؤسسات الحكومية الأمريكية استحدثت لحماية مبادئ الديمقراطية أصلا، وللسهر على إرادة المواطنين سابقا، فهي حقيقة، لم تك في حاجة للآخر الخارجي، وكان لديها ما أهلها أن تصبح دولة رفاه، إذ عكفت الحكومة على العمل للنهوض بالمصلحة الذاتية، والإرادة الشعبية التي ينشدها المواطنون عبر الانتخابات الحرة والنزيهة. وكانت لا تنبع من طغيان المصالح الخاصة، الانتهازية، نظام أو آيديولوجية تتعارض مع أهداف المواطن ومطلبه الحياتي اليومي، بل أبعد.. تجاهل ممنهجو الرأسمالية أن الفقاعة لا تعالج بفقاعات ونفخ في رفاتها. إن الرأسمالية تفترض أن تترك الكرة الثلجية تتدحرج لتخرج أثقالها كطبيعتها، ليبرز النجاح ويختفي الذين لا يختلفون على مبدأ اللصوصية ولكن على اقتسام السرقات، .. المستفيدون الذين يتعين أن يقبلوا بنتائج مخاطر سياساتهم، بدلا من حشو جوفها بأثقال أخرى تزيد من شمولية فسادها وتضخمها فيقع الانفجار الكبير، .. ووقع فعلا. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 242 مسافة ثم الرسالة