... وسرب الحمام الذي كان يمشي وراء جنازتها لم يعد للشرفات التي حملته مناديل حزن اللواتي رأين العصافير تبكي، ونعناع طيبة يذبل، والياسمين الذي كان يلقي التحية للعابرين حزين. سرب الحمام الذي كان يمشي وراء جنازتها...قال طفل تخبأ من رهبة الموت تحت جدار البقيع رأيت الحمام يحط على ... ثم لم يستمع أحد، بلع الطفل ما قد رآه وعاد إلى حيث كان، وكان جدار البقيع يئن فيلتفت الطفل ثم يشير إلى ريشة تركتها الحمائم بين يديه ويسأل من أين هذا الأنين. سرب الحمام الذي كان يمشي وراء جنازتها.. قال شيخ تداركه العمر كنت رأيت الحمامة، تلك التي أول السرب، من قبل، كانت تصاحبها حين تغدو إلى الدرس كل صباح وعند المساء تحط على سدرة قرب شباكها وتغني إلى مطلع الفجر، كان الصباح نديا وكان الغناء شجيا تعتق فيه الشذى والحنين. سرب الحمام الذي كان يمشي وراء جنازتها...قالت امرأة وقفت عند باب البقيع رأيت نساء توشحن بالنور أطلقنه حين كانت جنازتها في الطريق إلى قبرها، وحين اقتربت توارين عني، وحين ابتعدت رأيت الحمام يدور على قبرها، والنساء اللواتي رأيت يطيبن أرض المقابر بالمسك والياسمين. سرب الحمام الذي كان يمشي وراء جنازتها ...قال الذي من ضياء البصيرة كحل عينيه إني رأيت الحمام يطير إلى قبة في السماء، تحيط بها أحرف من غمام وماء، قبة من يقين.