قبل أسابيع قليلة من اندلاع ثورة يناير في مصر، احتل خبر عن هجمات لأسماك القرش على سياح أجانب في شرم الشيخ مكانا بارزا في اهتمامات الشارع والإعلام سواسية. وكان يمكن لهذا الخبر أن يمر مرورا لطيفا على اعتبار أنه أحد أخبار الإثارة التي لابد منها في الإعلام لولا أن البعض أراد أن يعطيه صبغة سياسية سخيفة بالادعاء بأن أسماك القرش هذه موجهة من إسرائيل. هذا السخف الإخباري تواجد في الساحة الشعبية والإعلامية بقوة في نفس الوقت الذي كانت فيه مصر تغلي جراء تزوير الانتخابات البرلمانية الفاضح. كان بالإمكان سؤال المواطن العربي في أي دولة خارج مصر عن حادثتي أسماك القرش والتزوير لاستنتاج مدى شعبية الحادثة الأولى مقارنة بالثانية. أسوق قصة أسماك القرش هذه للدلالة على القطيعة الحادة بين المواطن العربي والسياسة. هذه القطيعة تتجلى بوضوح حتى في زمن الربيع العربي. فالاستقطاب السياسي الحاد الذي تشهده معظم الدول العربية حتى التي لم يحل بها الربيع العربي وإقحام الحلال والحرام في الخصومات والتصنيفات السياسية وتبني نظريات المؤامرة العجيبة كنظرية أسماك القرش الموجهة هي علامات تنبئ عن جهل سياسي خطير. إذ إنه لا يمكن لمسيرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية في العالم العربي أن تتم من دون عملية إصلاح سياسي شامل ولا يمكن لهذا الإصلاح أن يتم من دون مشاركة المواطن العادي كناخب أو كناقد. إن أحد التحديات الكبيرة التي تواجه العالم العربي اليوم هي تنمية الثقافة السياسية للمواطن العادي. لقد نشأت أجيال من العرب وهي تخشى الحديث في السياسة لكي لا تذهب وراء الشمس.. ونشأت أجيال غير مهتمة لأنها اعتادت على انتخابات تعلم مسبقا أنها مزورة أو انتخابات لمجالس وهيئات لا صلاحيات رقابية وتشريعية حقيقية لها. الصحافة المستقلة والمؤسسات التعليمية التي تكفل حرية البحث إضافات الجمعيات الأهلية كلها وسائل يمكن أن تنمي الثقافة السياسية للمواطن العادي وتجعل منه أداة أكثر فاعلية لخدمة وطنه.