سعادة رئيس تحرير صحيفة «عكاظ». إشارة إلى ما نشر في صحيفتكم في العدد 15745 الصادر في 16/10/1430ه بقلم الأستاذ عبد الله أبو السمح تحت عنوان «أسماك القرش» والذي تناول فيها ورشة العمل الخاصة «بحماية أسماك القرش في البحر الأحمر من الانقراض» كأحد أنشطة الهيئة الإقليمية للحفاظ على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن وما جاء في المقالة من استغرابه واستهجانه من عقد مثل هذه الدورات حول المحافظة على أسماك القرش، وما ورد في المقالة من مرئيات للكاتب من شأنها أن ترسخ مفاهيم غير صحيحة لدى القارئ، ويدعو إلى ممارسات خاطئة لا تتوافق مع التوجهات والاتفاقيات الإقليمية والدولية وتعطي في نفس الوقت انطباعا خاطئا حول سلوكيات وثقافة المجتمع. عليه نود إيضاح بعض الأمور التي وردت في المقالة وتصحيح بعض المفاهيم والتوجهات السلبية التي دعا إليها الكاتب، وذلك من منطلق المصداقية وشفافية الإعلام والذي نلمسه دائما في صحيفتكم الغراء. إن الهيئة الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر والخليج هي هيئة حكومية إقليمية تضم في عضويتها الدول العربية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن وليست هيئة وطنية تعنى بقضايا البحر الأحمر وخليج عدن، والعمل على تنميتها واستغلالها بشكل متكامل ومستدام وبما لا يخل بالموارد الطبيعية البحرية والتي تمثل ركيزة أساسية للتنمية وتراثا حضاريا وإنسانيا وجب الحفاظ عليه، ويتم إقرار الأنشطة التي تنفذها الهيئة من مجلس الهيئة الذي يضم وزراء البيئة في الدول الأعضاء، وتضم الهيئة خبراء من ذوي الكفاءة العالية ومتخصصين من مختلف دول الإقليم ولا يقع في نطاق عملها الجوانب العسكرية من حشد الجيوش ومحاربة القراصنة لامن قريب ولا من بعيد. وعندما تناول الأستاذ أبو السمح عنوان الندوة بشيء من الغرابة ودعا إلى القضاء على أسماك القرش بحجة أنها وحوش تلتهم كل ما يقابلها على حد قوله، وأنه يجب القضاء الكامل عليها. إن مثل هذه الطروحات من شأنها ترسيخ مبادئ ومفاهيم خاطئة لدى العامة فاستنادا إلى ما ذكر فإنه يجب القضاء على كل الأنواع المفترسة على وجه الأرض والتي تمثل أهمية كبرى في منظومة التوازن البيئي الذي أوجده الله في هذا الكون لاستمرار الحياة. وعن حديثه عن أسماك القرش بأنها وحوش تلتهم الإنسان ويجب القضاء عليها والتخلص الكامل منها، فهذا كلام تجاوز الحقيقة وجانب الصواب فمعظم الحوادث التي تقوم أسماك القرش بمهاجمة الإنسان ناتجة هي في الأساس من السلوك الخاطئ للإنسان داخل مناطق نفوذ هذه الحيوانات كأمر طبيعي لجميع الحيوانات وليست بالصورة التي صورها الكاتب، وليس لها من الواقع العلمي شيء، وتدل على ذلك الإحصائيات التي أجراها عدد من المتخصصين والخبراء في مصر باعتبارها من دول الإقليم الأكثر اعتمادا على سياحة الغوص بتسجيل حالة واحدة فقط بين أكثر من 15 مليون غواص قاموا بما يزيد عن 30 مليون غوصة في المناطق البحرية في جمهورية مصر العربية، وكانت هذه الحادثة ناتجة عن سلوك وتصرف خاطئ تجاه أسماك القرش في مناطق نفوذها ونتيجة لمحاولة لمسها تحت الماء والاقتراب منها لحد كبير فهذه الحيوانات تهاجم الإنسان فقط للدفاع عن نفسها. كما أن الدعوة إلى القضاء عليها والتخلص الكامل منها يترتب عليه إخلال بالتوازن البيئي الذي أوجده الله، فاستنادا إلى ما جاء في المقالة فإنه يمكن القضاء على كل الأنواع المفترسة على وجه الأرض، وهذا أمر مستغرب نظرا لأهميتها الكبرى في منظومة التوازن البيئي الذي أوجده الله في هذا الكون لاستمرار الحياة، قال تعالى: «الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان». وقال تعالى في سورة الفرقان: «خلق كل شيء فقدره تقديرا». إن إعادة أسماك القرش إذا ما تم القضاء عليها أو استنزافها يتطلب سنوات طويلة حيث إنها تنمو بمعدلات نمو وبخصوبة منخفضة لا تتعدى العشرات من الأجنة ولفترات حضانة تصل إلى أشهر عديدة. من هنا فإن احتمالية إعادة المخزون الطبيعي في منطقة ما تم استنزافها من الأنواع التي يمكن أن تصل إلى الحدود الحرجة للانقراض في فترات محدودة وبالتالي تهدد الاتزان البيئي في مناطق الصيد الجائر لأسماك القرش كما سبق الإشارة إليه. إن أسماك القرش في العالم أجمع تتعرض لهجمة شرسة وذلك بزيادة الطلب على زعانفها من مناطق جنوب شرق أسيا حيث يتم صيد عشرات الملايين منها سنويا باعتبارها من الأطعمة الفاخرة وفي الغالب يتم نزع زعانفها والتي لا تمثل أكثر من «2 5 %» من وزنها ويتم التخلص منها، أي أن «95 في المائة 98 في المائة» يتم التخلص منه والتي تمثل ملايين الأطنان سنويا من لحوم هذه الأسماك دون الاستفادة منها. ويبقى التساؤل الأكثر أهمية والذي يقع في قمة الهرم الغذائي أو السلسلة الغذائية يعتبر وجوده أمرا مهما بل هو محوري في توفر المخزون السمكي وضمانة رئيسية حتى لوجود الأنواع الأخرى من الكائنات مثل الأسماك التي ذكرها أبو السمح وطالب بالحفاظ عليها كالناجل والهامور والشعور. إن دور أسماك القرش يتمثل في افتراس الأسماك الأضعف والمريضة، وبالتالي فإنها تعمل على تقوية الصفات الوراثية والتخلص من العناصر الضعيفة والمريضة وتحافظ على بقاء النوع. كما أن اختفاء أسماك القرش سيترتب عليه انخفاض أعداد الأنواع الأخرى في أسفل السلسلة الغذائية، لأن أسماك القرش تقلل أعداد الأسماك المفترسة الأخرى، وبالتالي فإن فقدان المفترسات العليا يترتب عليه وفرة في المفترسات الأقل واستنزافها للمخزون السمكي الذي يشكل أحد ركائز الأمن الغذائي في العديد من دول الإقليم. وباختصار فإن لأسماك القرش دورا محوريا في المحافظة على التوازن البيئي للأحياء البحرية. وبالتالي تشكل أهمية بيئية واقتصادية عليا، كما اعتبرها العلماء أحد المؤشرات الهامة على صحة وسلامة البحار بشكل عام. وهناك العديد من الهيئات الدولية والإقليمية العاملة في مجال الصيد والحفاظ على البيئة مثل منظمة الأغذية والزراعة والاتحاد العالمي لصون الطبيعة، وغيرها من الهيئات الدولية والإقليمية التي تعمل في اتجاه الحفاظ على أسماك القرش وتنظيم أنشطة الصيد على هذه الأنواع وسن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والإقليمية من أجل الحفاظ على هذه الأنواع الفريدة كاتفاقية الاتجار في الأنواع المهددة بالانقراض والتي وضعت بعض أنواع أسماك القرش ضمن القائمة الحمراء والتي يحظر صيدها أو الاتجار فيها، وكذلك اتفاقية التنوع البيولوجي واتفاقية الحفاظ على الأنواع المهاجرة بين الدول والتي تضم بعض أنواع أسماك القرش، وكل هذه الاتفاقيات موقع عليها من قبل الدول الأعضاء في الهيئة والتي تعتبر جزءا لا يتجزأ من القانون الوطني لهذه الدول وبالتالي لزاما عليها الحفاظ على الأنواع واستغلالها بشكل مستدام. وتتضمن المبادرات الهامة للمحافظة على أسماك القرش، والتي توضح الأهمية والحاجة الملحة لإدارتها، تبني منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) لخطة العمل العالمية لصون وإدارة أسماك القرش. وإدراكا لطبيعة تعرض أسماك القرش للصيد المكثف، وعدم استدامة المصائد التي تعرض بعض الأنواع إلى الانقراض، وفشل الهيئات العاملة في مجال المصائد في معالجة المهددات التي تواجه أسماك القرش، فعدد من الاتفاقيات الخاصة بالحياة الفطرية تركز حاليا على المحافظة على أسماك القرش. ومن بين الاتفاقيات الاتفاقية الخاصة بالتجارة الدولية في الأنواع المهددة بالانقراض من مجموعة الحيوانات والنباتات الفطرية (1973) والتي كانت الأولى في رفع إنذار الخطر حول عدم استدامة مصائد القرش نتيجة للطلب العالمي في تجارة زعانف القرش.. ولما كانت الهيئة الإقليمية للحفاظ على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن تضع ضمن أولوياتها حفظ التوازن البيئي والمحافظة على الموارد البحرية في الإقليم وهي أيضا جزء لا يتجزأ من المنظومة العالمية وتعمل جنبا إلى جنب مع هذه الهيئات الدولية في مجالات الحفاظ على الموارد الطبيعية البحرية والنظام البيولوجي للبحر الأحمر وخليج عدن، وضمان تنمية مستدامة فإنها تتبنى الأهداف في هذه المجالات طبقا للاتفاقيات الدولية والإقليمية الموقع عليها من هذه الدول والمستندة في الأساس إلى حقائق علمية ثابتة. أ.د. زياد بن حمزة أبو غرارة أمين عام الهيئة الإقليمية للحفاظ على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن