تكثف الجهات الأمنية عملها لمواجهة معضلة سنوية، تتمثل في مكوث بعض القادمين بعد موسم العمرة على أراضي المملكة دون العودة إلى أوطانهم رغبة في أداء الركن الخامس، وهو ما يحتم على الجهات الأمنية من جوازات وشرطة واللجنة الوطنية للحج والعمرة في هذه الفترة ما بين شوال والحج، تكثيف مجهوداتها لمواجهة هذه الآفة كل عام. شرعيون حرموا هذا الفعل، مشبهين هذا الجرم بمرأة رغبت في أداء هذه العبادة لكنها ارتكبت إثما بمجيئها بلا محرم، قائلين: «على المخالف ألا يلوم إلا نفسه»، منادين إلى ضرورة تحلي المسلم بالنظام، خاصة أن الإسلام يرتكز في شعائره على هذه الصفة الحميدة، مبينين أن المخالفة إثم، كونها نقضا للمدة التي اتفق عليها في عقد المكوث في المملكة. «عكاظ» تواصل سبر أغوار هذا الملف في سياق التحقيق التالي: تكثيف العمل بداية، كشف الناطق الإعلامي في جوازات منطقة مكةالمكرمة الرائد محمد الحسين، أن الجوازات تكثف عملها بعد موسم العمرة لملاحقة المتخلفين الماكثين حتى موسم الحج، ونوه أن الخطة المتبعة في ذلك تفتيش المنازل بعد اتخاذ الإجراءات النظامية، إضافة تكثيفها لعمل الدوريات الميداني، وأرجع أسباب التخلف لأمور عدة، أهمها الرغبة في الحج، مبينا أن نسبة التخلف بين العام والآخر في تدن ملحوظ نتيجة الضوابط الصارمة التي فرضتها التنظيمات. وذكر أن زيادة وعي المجتمع بخطورة التخلف ساهم في التنظيم، منوها بأن شركات ومؤسسات الحج والعمرة وضعت أنظمة للحد من إمكانية تداخل الأعمال فيبقى الاختصاص لشركات العمرة في مجال العمرة ولمؤسسات أرباب الطوائف في خدمة الحجاج. متابعة دائمة ودافع رئيس اللجنة الوطنية للحج والعمرة سعد جميل القرشي عن تقصير بعض شركات الحج والعمرة بقوله: «ليس لدينا كشركات أو كلجنة وطنية هذا التقصير، فنحن دائمو المتابعة للشركات والمعتمرين»، وأرجع اللوم وأسباب التخلف على بعض القنصليات التي تمكن بعض المعتمرين مجاملة الدخول إلى أراضي المملكة، وشدد بأن أي مخالفة تمكن من التخلف، تتسبب فيها شركات العمرة، سيتم إيقاف هذه الشركة، وأوضح أن الشركات نفسها تتابع المتخلفين، قائلا: «تبلغ الشركات الجهات الأمنية عن أي شخص تخلف». ولفت إلى أن المعتمرين للعام الحالي لديهم جداول لرحلات طيرانهم، تستمر حتى العشرين من الشهر الحالي، ويعتبر الماكث لبعد ذلك التاريخ مخالفا. حملات مكثفة وأشار المتحدث الإعلامي في شرطة جدة العميد مسفر الجعيد إلى أن الشرطة تقوم بحملات أمنية طيلة العام للقبض على المخالفين، قائلا: «تتولاها القوة الميدانية في الشرطة، والجوازات والبحث والتحري وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». واعتبر أن زيادة نسب الجريمة في العام الحالي تعود لتكاثر أعداد متخلفي العمرة الراغبين في الحج، بقوله: «أي تخلف ينجم عنه إفرازات سلبية منها الجريمة». ونفى أن يكون كافة القادمين إلى المملكة يرجون العمرة، قائلا: «يوجد وبنسب قليلة، من له أهداف أخرى، فقد رصد أحيانا قبل القدوم إلى المملكة من يهدف إلى السرقات أو الدعارة رغبة في الحصول على المال»، ونوه بدور المواطنين في مكافحة هذا التخلف، مطالبا إياهم بعدم إيواء المخالفين أو تشغيلهم أو تسكينهم بما يتعارض والأنظمة المعمول بها في المملكة. مخالفة للنظام واتفق عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض الدكتور صالح السدلان، على أن التخلف لا ينبغي، مؤكدا ضرورة تحلي المسلم بالنظام ومثاليته تجاه أوامر الدولة، ومبينا أن فرض مثل هذه القرارات يرجع إلى مصلحة المسلمين عامة، مؤكدا وجوب السمع والطاعة لولي الأمر، قائلا: «تخلف المعتمر القادم إلى أراضي المملكة للعمرة حتى الحج، يعارض مصداقيته وما تقيد به في العقود»، وشدد على عدم جواز مخالفة العقود. واعتبر هذا الفعل مخالفة للشرع، قائلا: «يأثم كل من تخلف»، مشيرا إلى أن الإنسان لا يلوم إلا نفسه، إن تعرض لعقوبات مادية أو نحوها. ووافقه أستاذ العقيدة والشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور علي الشبل بقوله: «إن الهمة في نفوس بعض المسلمين للقدوم إلى هذه البقاع، لا تعني أن يرتكب الإنسان محرما في تحقيق مراده». وبين أن المراد والهمة إن كانا مشروعين، فلابد أن يكون الطريق إليهما مشروعا، إلا أن ما يحصل من معتمرين ممن منحتهم الجهات الرسمية فيزا بوقت محدود، لا ينبغي مخالفتها لغرض الاستمرار في الحج، فالله سبحانه إنما اشترط الحج بالاستطاعة لقوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين). وذكر أن الحج عبادة جماعية، لا تكون إلا بالتنظيم الذي يتكفل به ولي الأمر، وبالتالي تعد المخالفة في أداء النسك معصية محرمة، يأثم عليها صاحبها. وطالب بالإقلاع وعدم البقاء في أراضي المملكة، قائلا: «المعصية تؤثر على الحج، فضلا عن أنها مخالفة لولي الأمر الذي أوجب الله طاعته، كما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم). وشبه إثم التخلف لأجل أداء فريضة الحج، بالمرأة التي ترغب في أداء هذه الشعيرة بلا محرم، قائلا: «هي آثمة بهذا الفعل، وإن أدت شعيرة دينية».