هل سيقف العالم هنا عن حدود قيام الثورات وسقوط الطغاة، أم هو تمهيد لمراحل جديدة ستعاني فيها الشعوب متاعب من نوع آخر قد يكون من أهمها صعوبة التعاطي مع ظروف المرحلة التي لا تفيد فيها تغيير القيادات السياسية وحسب وإنما العقلية ونوعية التفكير التي كانت عليها تلك الشعوب. كثيرا ما ضربنا الأمثال بثورات شعوب قلبت الموازين ومهدت لقيام ثورات لاحقة صناعية وعلمية وأخرى تقنية مازلنا نتلمس الطريق لكيفية التعامل معها، فعلت ذلك لأنها لم تمارس يوما عملية تعطيل العقل والتسليم للغير بالتفكير عنها. ونحن لا نقارن وإنما نتساءل كيف لشعوبنا وقد عاشت ردحا من الزمن كالآلة تتحرك وتقف برغبة الآخر أن تعيد إعمار العقول من جديد، البعض قد يعلل أن الثورة ضد الظلم هي قمة النضج في الفكر وهو الطريق الصحيح للخروج من دهاليز مظلمة إلى أخرى أكثر نورا. والظلم في المنهج الرباني لا يدوم حتى وإن عمر طويلا أو لم يتظاهر ضده أحد فله زمن وينتهي عنده والأمر جامع لأنواع الظلم وممارسيه والذين ليسوا بالضرورة حكاما أو سياسيين بل هناك ظلم حتى على مستوى الشخص لنفسه، وهذه الأنواع من الظلم رائجة لدينا لكنها مع الأسف لم تشمل بتلك الثورات. والخوف أن ما ننادي لتغييره ونعتقد أن هناك قلة في المجتمع تمارسه يكون قد تغلغل وأننا نجهل النسبة الحقيقية لمن تعاني تلك العلة فيكون الداء الذي لا شفاء منه. في علم النفس الشخص الذي يقع تحت طائلة أمر ما ويأتيه وقت للخلاص فإنه قد يمارس الفعل نفسه متى ما وجد الفرصة والغريب أنه لا يدرك ما يفعل بل مازالت الفكرة السابقة حاضرة، إنه ذلك المظلوم الذي صودرت حريته يوما. والحالة الآن شبيهة، فمن ثاروا وانتصروا هم من قهروا وجاعوا وظلوا طويلا على هذا الحال فهل يمارسون ما مارسه الغير عليهم وسيناصرهم في ذلك شعورهم الدائم بأنهم ظلموا ؟، وأولئك الذين قد يرون في أنفسهم الأهلية لقيادة تلك الشعوب هل سينتصرون على هوى النفس وميلها للكسب والثراء خاصة إن أتت من بيئات مسحوقة أو محرومة. قد يردد البعض تلك الاسطوانة المكررة أن من عاش الحرمان هو الأكثر صدقا وأمانة، ربما ذلك في السابق عندما كانت المجتمعات تتمسك بالفضائل إما لتدينها أو لعرفها القبلي الذي يعيب على الفرد أن يخون أو يغدر أما في هذه الوقت فالفضيلة أن يقال مع فلان كذا وفلان يشغل منصب كذا ووسط ذلك الجشع لتحقيق المكاسب ضاعت الفضيلة ومات الضمير.