في الذكرى العاشرة لهجمات 11 سبتمبر نستطيع القول بأن خسارة أمريكا الحقيقية لم تكن في ذلك اليوم المشؤوم بقدر ما كانت فيما تلا ذلك من تصاعد لصوت اليمين المتطرف في أمريكا وإسكات للأصوات المطالبة بالحقيقة. لقد حول الساسة الأمريكيون مأساة إنسانية أليمة إلى سلعة يتاجرون بها للوصول إلى غايات سياسية. ولا أدل على ذلك أكثر مما نقله بوب وودوارد في كتابه «بوش في الحرب» عن تركز أنظار صقور الإدارة الأمريكية السابقة تجاه العراق بعد أربعة أيام فقط من هجمات سبتمبر بحجة ندرة «الأهداف الجيدة» في أفغانستان.. الشعب الأمريكي عموما لا يعنى كثيرا بالسياسة الخارجية لبلده وهذا ما سعت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على المحافظة عليه وإنمائه. ففور وقوع هجمات سبتمبر، حوربت جميع الأصوات الأمريكية التي ربطت ما بين هذه الهجمات الإرهابية وسياسة أمريكا الخارجية. كان المواطن الأمريكي العادي يسأل باستغراب: لماذا هاجمونا؟ وكانت الإجابة المعلبة للسياسيين الأمريكيين وللإعلام المسيس جاهزة وهي: لأنهم يكرهون الحرية. وأي إجابة خارج هذا الإطار عدت جريمة وتعاطفا مع الإرهابيين وهذا ما حصل مثلا مع أكاديمي أمريكي يدعى وارد تشرشل الذي فصل من جامعة كولورادو في عام 2007 بعد محاضرة ربط فيها بين الهجمات وسياسة أمريكا الخارجية.. في أزمنة الخوف والحرب، يمكن للأمم أن تنجرف إلى وحل الفاشية عبر قوانين ظاهرها هو محاربة الإرهاب وباطنها فيه مصادرة لحرية الرأي والحرية الأكاديمية والحريات الشخصية وهذا ما حدث في أمريكا وفي كثير من دول العالم بعد الهجمات.. بعد 10 سنوات من الهجمات، تبدو أمريكا اليوم أكثر تحصينا أمام الإرهاب ولكنها مقابل ذلك أصبحت مثقلة بمشكلات اقتصادية ومتورطة في حروب لا تبدو لها نهاية، والأسوأ من ذلك هو خسارتها للنموذج الأخلاقي الذي ظلت تروج له. كان بالإمكان تفادي كل هذا لو أجابت الإدارات الأمريكية بأمانة على سؤال «لماذا هاجمونا»، ولو حرصت على الرد لتحقيق العدالة لا للانتقام وفرض النفوذ.