قلما تجد رئيسا للتحرير إلا ويكن تقديرا واحتراما ل«حريف الصحافة السعودية» محمد صلاح الدين الدندراوي (توفي 29/9/1432ه)، ذلك الصحافي والكاتب والأديب الذي تخرج على يديه شبابا أصبحوا فيما بعد رؤساء لتحرير العديد من المطبوعات اللامعة. فقد عرف الراحل بأنه «مدرسة رؤساء التحرير»، و«الرجل الذي يعرف كل شيء ولا يتحدث في أي شيء». ويجمع محمد صلاح الدين بين الأستاذية في الصحافة والاحترافية فيها، وبين تلك الأوصاف التي أطلقت عليه، مثل: خفيض الصوت، قويم الخلق، رشيق الحرف والقلم، صادق الكلمة، سلس الفكر، عميق الأدب، مغامر مدهش، طموح بعزيمة، مجامل بلا مداهنة، خالي الشوائب، منفتح على الثقافات الأخرى، ومدافع عن حياض الدين. وبذلك جمع المتشابهات والمتباينات سواء في كتابته الصحافية أو في مآثره؛ منها: صاحب الفكر الإسلامي الرزين، الأدب العربي الرصين، السياسية المحنكة، العلوم الاجتماعية والإنسانية، وأصول الحوار والنقاش، وفوق ذلك كان صامتا في المجالس، ذا جبلة هادئة ورضا وسكينة، لا يجادل أحدا، ولما داهمه المرض كان في غيبوبة لا يتكلم مع أحد، فعاش هادئا ومات صامتا. وعندما يكتب تاريخ الصحافة السعودية، فإن الراحل محمد صلاح الدين يبرز كرائد وأستاذ لجيل من الرواد في تاريخ الصحافة السعودية، وصانع للصحافة الحديثة والنشر الصحافي، حيث انطلقت رحلته مع الصحافة من صحيفة الندوة سكرتيرا للتحرير (1959 1963م)، وبعدها مديرا لإدارة المكتبات في وزارة الحج والأوقاف لمدة عام واحد فقط، ليعود إلى عشقه الصحفي مديرا لتحرير صحيفة المدينة (1964 1973م)، ثم مشرفا على تحرير مجلة «أهلا وسهلا» الصادرة عن الخطوط الجوية العربية السعودية، ورئيس تحرير مجلتي «سعودي ريفيو» و«الأسواق السعودية»، كما أصدر عدة مطبوعات باللغة الإنجليزية؛ (صدرت عن وكالتي الصحافة الإسلامية ومكة للإعلان) منها: آرابيا، العالم الإسلامي، الأموال، الأسواق السعودية، صحتك اليوم، مشارف، والطيران العربي. . ترك محمد صلاح الدين بصمات خاصة ومتميزة في فن كتابة «المقال الصحافي»، وكانت زاويته اليومية «الفلك يدور» التي استمرت يوميا لأربعة عقود من أشهر الأعمدة في الصحافة السعودية، حيث بدأها في صحيفة عكاظ ثم انتقل بها إلى صحيفتي المدينة والبلاد، وكتب فيها عن أحوال العالم في القضايا الإسلامية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، وفاز به بجائزة علي وعثمان حافظ عام 1994م. ومع تميز محمد صلاح الدين وتنوعه في عموده «الفلك يدور»، إلا أنه كما يؤكد على الدوام عدم رضاه عما يكتبه فيه، وربما يعود ذلك لزحمة الأعباء التي تجعله لا يعطي المزيد من الوقت للكتابة، ويقول حول ذلك «الكاتب في الصحافة الحديثة يعتمد في العادة على جهاز كبير من الباحثين، وحشد من مراكز المعلومات، وكم من الاتصالات، وتفرغ تام للعمل الفكري، لكننا في العالم العربي نعطي ذلك فضول أوقاتنا، ونبخس قدر العمل الأدبي والفكري وأثره وقيمته»، (المدينة: 1409ه/1988م). وفي الوقت الذي امتهن محمد صلاح الدين الكتابة الصحافية، إلا أنه اتجه في دراسته الجامعية إلى «العلوم السياسية» في الولاياتالمتحدةالأمريكية، «ذهبت إلى جامعة ميتشجن في الولاياتالمتحدةالأمريكية لأدرس صحافة، فلما اجتمعت برئيس قسم الصحافة سألني عن عملي وخبرتي السابقة، وعندما عرف بأنني عملت في الصحافة لفترة من الزمن نصحني بعدم الالتحاق بقسم الصحافة، وإنما الالتحاق بعلم آخر يساعدني في عملي الصحافي، حيث سألني عن طبيعة عملي الصحافي بالتحديد فأخبرته بأنني أعلق على الأحداث، فقال لي: تخصص في العلوم السياسية، وكانت نصيحته من خير النصائح وفي موقعها حيث استمتعت كثيرا بدراسة العلوم السياسية واستفدت منها في عملي»، (اليمامة: 1421ه). رغب عن التدريس في الجامعة في تخصص العلوم السياسية، لأنه كما يقول «درست للتعليم وليس للوظيفة، وهذا التخصص أفادني كثيرا في علمي الصحافي، فعندما يكون الطبيب محررا طبيا، وخريج الاقتصاد محررا اقتصاديا، ودارس الزراعة محررا زراعيا، تجده يبدع في مجاله لأنه صاحب اختصاص»، (اليمامة: 1421ه). أراد محمد صلاح الدين أن يوجد وكالة تهتم بالقضايا العربية والإسلامية فأنشأ «وكالة الصحافة الإسلامية»، حيث قال في حوار مع مجلة الحوادث «الهدف من إنشاء الوكالة ليس طرح بديل لوكالات الأنباء الغربية، وإنما هدفنا أن نوفر للرأي العام العالمي بصفة خاصة، والرأي العام في دول العالم الثالث، وجهة نظر وتحليل وتقييم للأبناء والأحداث بصورة مستقلة عن الاحتكار الغربي للإعلام العالمي، ومن هنا تبدأ قضايانا ومشاكلنا تأخذ صورتها الحقيقية وحجمها الطبيعي». وخرج عن وكالة الصحافة الإسلامية مجلة «آرابيا» عام 1979م، ولكنها توقفت فيما بعد عام 1985م للعوائق المالية التي واجهت الوكالة، وكان قد قال بداية تدشينها لمجلة الحوادث «نحن في الأساس مجلة عالمية، مثل «التايم» و«الينوزويك» الأمريكيتين و«دبر شبيغل» الألمانية، ولكن بتركيز خاص على العالم الإسلامي الذي يشمل بالطبع العالم العربي، وقد بدأت الفكرة عندما لا حظنا غياب مجلة عالمية هويتها عربية إسلامية، فتصدينا لهذه المهمة»، ثم يقول في حوار صحافي «سيطرة الإعلام الغربي ونفوذه أمر واقع، لكن هذا لا يعني أن الغربيين قد أمسكوا بأيدي المسلمين وحالوا دونهم ودون عمل إعلامي جيد، إن المسؤولية تقع علينا كمسلمين بداية ونهاية»، (عكاظ: 11/4/1415ه). وفي مجال النشر الصحافي؛ فإن محمد صلاح الدين يعد من الأوائل في هذا المجال، حيث أسس أول دار سعودية للنشر (الدار السعودية للنشر والتوزيع)، وأول وكالة إعلان في جدة (وكالة مكة للإعلان)، ليؤسس بعدها وكالة مروة للإعلان. ذلك النجاح الذي حققه محمد صلاح الدين في مجال النشر، إلا أنه تمنى أنه لم يدخل هذه التجربة باعتبارها مكلفة «عندما تدخل في العمق، وترى مدى التضحيات والخسارة، تدرك أن القضية هي رسالة أكثر منها مادة، لكنها عمل صعب بالغ الصعوبة، خاصة من الناحية المادية رغم تميز المطبوعات التي نصدرها وانفرادها في السوق، وإن كان الوعي الاجتماعي لدى الأوساط الاقتصادية لم يكن بالصورة المأمولة، لكنه يظل طريقا صعبا ومكلفا ومخاطره كبيرة»، (اليمامة: 1421ه). ولد الصحافي والكاتب محمد صلاح الدين في قنا في مصر عام 1934م، وقطن في مكةالمكرمة ثم انتقل بداية المرحلة الابتدائية إلى القاهرة ودرس في صعيد مصر حتى نهاية المرحلة الثانوية، وعاد إلى مكة ليبدأ حياته العملية، وبعد عدة أعوام سافر إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية لإكمال دراسته الجامعية في البكالوريوس والماجستير. وله عضوية في عدة جهات، منها: عضو في مؤسسة المدينة الصحفية، وعضو في مجلس إدارتها لمدة خمسة أعوام، وعضو مجلس الإدارة المنتدب للشركة السعودية للملاحة والخدمات البحرية، وعضو مجلس الإدارة المنتدب والمشرف على تحرير مجلة الطيران العربي، ورئيس شركة تقنية المعلومات والتوثيق المحدودة.