لقد جاء انهيار الجيش الليبي أمام الثوار سريعا، فخلال ستة أشهر تقريبا منذ السابع عشر من فبراير الماضي، تلقت قوات القذافي ضربات جوية موجعة، ساهمت في تآكل هذا الجيش الذي كان يعد يوما من أكبر الجيوش في المغرب العربي. فتعداد الجيش الليبي بنهاية العام الماضي بلغ ست وسبعين ألف مقاتل، يدعمه حوالى 40 ألف متطوع في ميليشيات تابعة للنظام. كما أن سلاح طيرانه كان يضم حوالى 374 طائرة مقاتلة (إحصائيات مركز الدراسات الاستراتيجية بلندن، 1911م). ومعظمها طائرات مقاتلة من تصنيع روسي. كما كان الجيش الليبي يتمتع ببحرية صغيرة مجهزة بعدد من الفرقاطات وغواصتين، وقوارب مسلحة سريعة. فالعقيد القذافي أتى من صفوف القوات المسلحة، وقد حرص معظم حياته السياسية الطويلة على شراء الأسلحة وتكديسها. وبالرغم مما نسمع بأن ليبيا ليس لديها جيش منظم وقوي، فالإحصائيات البريطانية المشار إليها آنفا تقول بأنه كان لدى جيش القذافي 2205 دبابة ثقيلة و945 ناقلة جنود، و 2421 مدفعا ميدانيا، ومع كل هذا فقد ذابت هذه القوة العسكرية خلال ستة أشهر من القصف الجوي من قبل طائرات الناتو، وعمليات الثوار والقوات شبه الميليشيات التي يمثلونها، وتفكك بعض قطاعات الجيش النظامي وانضمامها إليهم. وفي النهاية، فإن العقيد الذي راهن على سلطات مخابراته وجيشه طيلة أربعين عاما ونيف، والذي خدمه ذلك الجيش وتلك السلطات، سرعان ما انهار نظامه خلال ستة أشهر، وانهارت عاصمته وسلمت نفسها للثوار خلال أربع وعشرين ساعة. حقيقة الثورة الليبية هي ثورة كلاسيكية بكل المعايير، وهي تنضم لكل من الثورة المصرية والثورة التونسية، لتشكل مثالا لثورات العصر الحديث. غير أن حجم الدماء التي سفكت وللأسف في ليبيا هو أكبر بكثير مما سفك في مصر وتونس. الشيء العجيب هو ليس في انهيار نظام العقيد القذافي السريع، ولكن الأعجب منه هو بقاؤه طيلة أربعة عقود في السلطة دون إصلاح أو تحديث. فليبيا الدولة النفطية الغنية، عانت سنوات طويلة من التراجع في الخدمات والحريات العامة، وإن كان هناك ملمح إيجابي واحد في مسيرة القذافي طيلة فترة حكمه لبلاده فهو إنشاؤه لما سمي ب «النهر الصناعي»، والذي جلب فيه مياه الشرب من مناطق داخلية في الصحراء لسقيا المدن الرئيسية المُطلّة على شواطئ البحر المتوسط. ولطالما لعب «البهلوان» في طرابلس دور المهرج الأكبر وأزبد وأرعد، وقد آن الأوان لهذا البهلوان والديكتاتور أن يغادر المسرح غير مأسوف عليه. وبعد أن يهدأ الغبار، فإن عملية بناء الدولة مجددا في ليبيا لن تكون سهلة، فعملية جمع القبائل المختلفة في إطار سياسي واحد ستكون عملية سياسية معقدة، كما أن إعادة ربط شرق ليبيا (منطقة بنغازي) بغربها (طرابلس)، وجنوبها ستكون عملية مضنية. غير أن إرادة الشباب الليبي الذي نجح في الإطاحة بالطاغية، والأموال المتوافرة من إيرادات النفط، والمستوى التعليمي الجيد للشباب الليبي من شأنه أن يجعل عملية البناء أقل صعوبة مما هي عليه في بعض البلدان الأخرى التي عاشت مراحل حرب أهلية أو ثورات وطنية، ولم تنجح في العودة إلى حالة السلم التي كانت تعيشها من قبل. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 119 مسافة ثم الرسالة