ربما لا يتوقع أحد ما يمكن أن يكون في داخل السجون، إذ إن كل ما يتعلق بها له خصوصياته وأحداثه التي ربما تكون غريبة على البعض، ونادرا ما يحدث الحوار مع من هم داخل السجن ومن هم خارجه. في المقابل، أنواع الجريمة ومرتكبوها داخل أي سجن، تجد الكثير من الأحداث والجوانب المضيئة، هنا نستطلع أحد تلك الجوانب المضيئة في سجن عرعر المركزي، والمتمثلة في وجود عنبر سجناء مثالي، «عكاظ الشباب» زارت هذا العنبر وتجولت داخله وتحدثت إلى نزلائه. ما أن دلفنا إلى العنبر المثالي حتى واجهتنا جلسة كبيرة في وسط العنبر أشبه باستراحة خاصة، لكنها بين الأسوار، احتل جهاز التلفزيون مقدمة الاستراحة إلى جانبه ثلاجة حوت الكثير من العصائر والفاكهة. رحب بنا رئيس العنبر (م. ش) الذي بدت على محياه الاستقامة رغم أن جريمته تهريب المخدرات وتم الحكم عليه بعشرين عاما سجنا. ولفت نظري وجود صحيفة عكاظ في وسط المجلس وبعد السؤال عن سبب وجودها قالوا إنها «وجبة دسمة لنا ويتم طلبها من البقالة بشكل يومي». كان الوقت مصادفا لصلاة الظهر وشاهدنا السجناء في المصلى الخاص بهم وفيهم من يتوضأ، طلبنا من مرافقنا أداء الصلاة جماعة معهم وبالفعل أدينا صلاة الظهر جماعة، وبعد ذلك أخذنا جولة على غرف العنبر، حيث بدت الأسرة فوق بعضها وتمت تغطية كل سرير بقماش وكل سجين يعرف السرير الخاص به، فيما بدت الغرف واسعة والتكييف فيها جيد، ودورات المياه في العنبر المثالي أيضا مميزة جدا وتم كساؤها بالسيراميك من النوع الجيد. بعد أن أنهينا الجولة في غرف العنبر المثالي والتي لم تدم طويلا جلسنا في وسط العنبر، حيث المكان الذي خصص للجلوس وقضاء الوقت بالحديث فيما بين السجناء. يقول رئيس العنبر المثالي إن الانضمام إلى هذا العنبر يتطلب مواصفات خاصة للسجين من أبرزها الالتزام الديني، حفظ القرآن، تنفيذ تعليمات السجن، احترام وتقدير العاملين والسجناء، وعدم التدخين دون النظر إلى نوعية الجريمة، سواء كانت جريمة قتل أو مخدرات أو غير ذلك، ولاحظنا أن العنبر ليس مخصصا للسجناء السعوديين فقط، بل كانت هناك جنسيات أخرى، من بينهم السوري زياد خالد الذي أبدى لنا ارتياحا كبيرا لوجود نخبة مميزة من السجناء من مختلف الجنسيات. وكان لسجناء العنبر المثالي بعض المطالب التي يرون أنها حق مشروع لهم، مثل إضافة قنوات فضائية أخرى خلاف المجد والقناة السعودية مثل العربية والmbc والسعودية الأولى، كما طالبوا بزيادة الاهتمام بالفرش الموجود وتوفير هيتر خاص بالشاي، إضافة إلى السماح لهم بجلب العطور، بالإضافة إلى السماح لهم بممارسة ألعاب البلاي ستيشن المعروفة وفتح بقالة لبيع المواد الغذائية داخل العنبر، كما طالبوا بالنظر في مطالبهم مع جهات أخرى كالضمان الاجتماعي وغيره، وزادوا بطلب الاهتمام بالبرامج الترفيهية داخل السجون وزيادتها خصوصا في الصيف، لكن المطلب الملح تركز في الاهتمام بالسجين بعد خروجه وتأمين عمل له حتى لا يضطر للعودة إلى هذا المكان. سار الوقت أسرع مما كنا نتخيل وما هو مسموح به لنا ولكن كانت علامات وجوه سجناء العنبر المثالي تتسم بالصفاء والرضا بما قسم الله لهم، وكانت وجوههم مبتسمة واتضح الرضا عليهم من خلال ابتساماتهم وترحيبهم. وقبل المغادرة سألتهم: كيف تختارون رئيس العنبر المثالي؟، فأكدوا أن الاختيار يتم بالإجماع وأحيانا يكون هناك انتخاب داخلي بالتنسيق مع إدارة السجن في حالة عدم الاتفاق «ولكن ولله الحمد نحن دائما متفقون». ودعناهم ونحن نتمنى لهم الخروج المبكر من السجن.