كشف الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي أن تنظيم «العالم الإسلامي.. مشكلات وحلول»، جاء بسبب الأحداث الجارية في الوطن العربي من ثورات واضطرابات، وأنه جاء بعد ما حدث ويحدث في أفغانستان والصومال والعراق ولبنان ومصر وتونس وليبيا وسورية واليمن. وأوضح الدكتور التركي في حديثه ل «عكاظ» أمس في مكتبه في مقر الرابطة في مكة، أن المؤتمر «سيركز على المشكلات التي كانت هي السبب في هذه الاضطرابات والفتن والقلاقل، ويدعو العلماء لأن يكون لهم موقف في هذه الأحداث، ليوجهوا الرأي العام بالطريقة الصحيحة في تعاملهم معها»، مشيرا إلى أن كل هذه الاضطرابات والأحداث، تستدعي من أهل الرأي وكبار العلماء والمثقفين أن تكون لهم رؤيتهم في هذه الأحداث، ليستفاد منها في الجوانب الإيجابية وتقويتها، وفي تلافي الجوانب السلبية وما فيها من مشكلات. د. التركي أوضح أن «المؤتمر يبرز وجهة النظر الشرعية في الأحداث الجارية، حتى يكون المسلم على بينة من أمره، ولتبرأ ذمة العلماء والمؤسسات الإسلامية بوضع الطريقة الصحيحة التي ينبغي أن يسير المسلمون في التعامل مع هذه الأحداث». سألت الدكتور التركي: هل سيلتقي المشاركون بخادم الحرمين الشريفين عقب انتهاء المؤتمر، فأجاب قائلا: «هم يتطلعون إلى هذا، وخادم الحرمين الشريفين حريص في كل مناسبة على الالتقاء بالعلماء والمفكرين والمثقفين، لأن عليهم رسالة وواجبا كبيرين، وأي كلمة يستمعون لها منه يستفيدون منها، بحكم خبرته وتجربته الطويلة واهتمامه بالشأن الإسلامي، وهو حينما يلتقي بهم يستمع إلى وجهة نظرهم وآرائهم، وهو حريص على الاستفادة من آراء العلماء والمثقفين وأولي الرأي الذين يهمهم الشأن الإسلامي بشكل عام». المملكة والمسلمين • ما هي تطلعات أبناء الأمة للمملكة في حل القضايا الإسلامية والاهتمام بها ورعايتها؟ لا شك أن المملكة لها جهد متميز في حل مشكلات الأمة والعالم الإسلامي، يكفي في هذا أنها دولة مقر لعدة منظمات، مثل: منظمة التعاون الإسلامي، رابطة العالم الإسلامي، والندوة العالمية للشباب الإسلامي، وهي البلد التي ترعى الكثير من المؤتمرات واللقاءات سواء في داخلها أو خارجها، وهي التي تقدم مبادرات لحل المشكلات، وخادم الحرمين الشريفين له مبادرات عظيمة سواء على المستوى العربي أو الإسلامي، بل حتى على المستوى العالمي من خلال مبادرته العالمية للحوار بين أتباع الأديان والمؤتمرات التي عقدت في هذا الشأن. ولذلك فإن الأمة الإسلامية والمسلمين ينظرون إلى المملكة نظرة متميزة، ويتطلعون إلى قادتها للإسهام في حل المشكلات التي تواجه الأمة على مستويات متعددة، والمملكة لها جهودها السياسة وجهودها الاقتصادية ودعم المجتمعات الفقيرة المسلمة في مناطق عديدة من العالم، لها جهدها على مستوى المنظمات سواء كانت إقليمية أو دولية لمعالجة هذه المشكلات، وكل مسلم يسعد بهذا الاهتمام وهذه العناية. الثورات العربية • من وجهة نظركم، ما سبب هذه الأحداث والثورات التي شهدتها بعض الدول العربية مؤخرا؟. بُعد كثير من الأنظمة والدول عن الإسلام، وتأثير الثقافة الأجنبية على الثقافة الإسلامية أو على الأقل بعضها، تلك العوامل أحدثت فجوة بين الشعوب وبين الأنظمة أو الحكام. الأصل في الحاكم أن يرعى مصالح الشعب والرعية وفق الشريعة الإسلامية، ويحافظ على حماية الدين وعلى مصالح الإنسانية للمجتمع أو الشعب الذي يحكمه، وأن يكون بينه وبين المحكوم تلاق وتعاون وتكامل ووئام، ولكل من الحاكم والمحكوم حقوق وواجبات، والنصح وإبداء الرأي مطلوب، لكن وفق آداب وضوابط شرعية. والأصل أيضا، أن المسلمين على مستوى الدول والشعوب لا بد أن ينطلقوا من الإسلام في معالجتهم للمشكلات، وهذه الأحداث تدل على أن هناك أوضاعا غير سليمة تحتاج إلى إصلاح، والمملكة منذ أن تأسست وهي تدعو المسلمين إلى الاحتكام إلى شرع الله، وإلى معالجة المشكلات وفق الشريعة الإسلامية التي جاءت رحمة للعالمين. شعارات ليست إسلامية • وماذا عن الشعارات المرفوعة حاليا من قبل البعض حول الديمقراطية والدولة المدنية وسلطة الشعب؟. نحن نرى أن كثيرا من تلك الشعارات ليست إسلامية، هم يتحدثون عن الديمقراطية والدولة المدنية وسلطة الشعب، لكنهم لا يتحدثون عن أن المجتمع مسلم، وأن السلطة العليا فيه لله سبحانه وتعالى، وأن الدين الإسلامي هو منطلق الإصلاح في هذه الأحوال. نحن نضرب مثلا بالمملكة العربية السعودية وتجربتها، حيث تعد الدولة الوحيدة في العصر الحديث التي قامت على هدي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، طبقت الشريعة الإسلامية، نجد بين القادة والشعب فيها وئاما ومحبة وتعاونا، نجد هناك تقدما وازدهارا في المجالات الاجتماعية والمجالات الاقتصادية، نجد هناك أمنا واستقرارا، ومع ذلك هناك انفتاح على العالم واستفادة من تجارب الآخرين وحوار معهم. هذا الاستقرار والأمن والخير والنعم في المملكة سببها الرئيس هو تطبيق الشريعة الإسلامية، والملك عبدالعزيز حينما وحد المملكة كانت الراية التي يرفعها هي راية الإسلام والاجتماع على كتاب الله وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولذلك اتخذ «لا إله إلا الله محمد رسول الله» شعارا لعلم وراية المملكة، فمعناه أننا نعبد الله مخلصين له الدين، ونطيع الرسول عليه الصلاة والسلام ، ونتبعه في سنته وأوامره ونواهيه، لأنها أوامر ووحي من الله سبحانه وتعالى. النزاع الطائفي • ذكرتم في وقت سابق أن المؤتمر سوف يبعث برسالة عالمية للتعريف بخطر الطائفية.. ما هي فحوى هذه الرسالة؟. لعلك تعرف، أن النزاع الطائفي من أخطر ما يواجه المسلمين من تحديات في الوقت الحاضر، وتعرف أيضا أن المسلمين بينهم اختلاف منذ عهد الخلفاء الراشدين، ثم نشأت فيما بعد الطوائف، لكن الأمر لم يصل حينها إلى أن هذه الطوائف تتنازع وتتحارب حتى أصبحت عونا لأعداء المسلمين ليتدخلوا في الشأن الإسلامي. ونعلم جيدا أن المسلمين يرجعون إلى كتاب الله وسنة رسوله «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول»، وهذا هو البحث عن الحق، والحوار من أجل الوصول إلى الحقيقة. وستحل كثير من مشكلاتنا إذا كان أسلوبنا معها هو الرد إلى كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام ، أما أن تلجأ كل طائفة إلى استغلال نفوذها وما لديها من فرص للنزاع لمكاسب سياسية ومصالح وقتية، فإن هذا سيؤجج الصراع ويزيده في البلاد الإسلامية. ولذلك نحن ندعو مختلف الفئات والطوائف إلى أن ترعى وتهتم بالوحدة الإسلامية، صحيح أن لها وجهة نظرها فيما يتعلق بالجوانب والأحكام الشرعية والفقهية، لكننا إذا أردنا البحث عن الحق فعلينا أن نرجع إلى ما كان عليه السلف الصالح، وإلى الطريقة الصحيحة في فهم الكتاب والسنة، وأن يتداول المسلمون الرأي في طريق الوحدة، حتى يصلوا إلى رأي صحيح يغلب على ظنهم أنه هو حكم الله في هذه المسألة. المشروع الحضاري • لكن معالي الدكتور، ألا ترى أن ثلاثة أيام لمؤتمر يدرس قضايا الأمة بأكملها لا يكفي؟ لن تقتصر الرابطة على المؤتمر فقط، ولكنها تتطلع لما بعده من أعمال وبرامج، ووفود ودراسات وأبحاث، لأن المشكلة مرتبطة بالأمة الإسلامية وواقعها. الأمة تحتاج لمشروع حضاري متكامل ينهض بها، فليست المشكلة على الحكام والمحكومين فقط، المشكلة مشتركة «مثلما تكونون يولى عليكم»، ولذلك لابد أن تسعى الدول والشعوب للقيام بواجبها، وأن يكون هناك تكامل بين الجهود الرسمية والجهود الشعبية. • معنى ذلك أن المؤتمر سيكون انطلاقة لمشروع حضاري إسلامي؟ نتطلع إلى ذلك، وجاءتنا اقتراحات في هذا الأمر، سواء فيما يتعلق بتنسيق الجهود بين الجهات الرسمية والشعبية، أو في الاتفاق على الأسس والمنطلقات التي ينبغي أن تنطلق منها الأمة الإسلامية. • وما هي مرتكزات هذا المشروع؟. هناك عدة مرتكزات أساسية له؛ أهمها: الوحدة الإسلامية، وأن المسلمين أمة واحدة وإن كان بينهم خلاف في بعض القضايا، ووحدة مصادر التلقي وهي الكتاب والسنة وفق وفهم السلف الصالح، والتأكيد على عموم رسالة الإسلام وكمالها وشمولها وأنها منفتحة على الآخرين ورسالة للعالمين. وهذا المشروع الحضاري ينبغي أن يراعي الواقع ويركز على الأولويات، ومن أهم هذه الأولويات مواجهة التحديات الحاضرة سواء في داخل الأمة الإسلامية أو في خارجها، وما يتعلق بالأقليات المسلمة وكيف تتعامل مع الأمم والشعوب التي تعيش فيها، خاصة أنها تمثل ثلث الأمة الإسلامية، وهذه الأولويات تحتاج منا للتنسيق والتكامل بين الدول والشعوب والمنظمات، كي لا تكون هناك ازدواجية وصراع. نحن نتطلع إلى أن يصدر عن هذا المؤتمر توجيه أو دعوة لعمل هذا المشروع أو الميثاق، وهذا يتطلب الوقت والخبرة والتجربة، والرابطة لديها من التجارب والخبرة الشيء الكثير.