عندما وصل أحد طلابنا المبتعثين إلى ألمانيا، رتب له زملاؤه الموجودون في مدينة هامبورغ جلسة ترحيب في أحد المطاعم، وعندما دخلوا إلى المطعم جلسوا إلى إحدى الطاولات، في البداية لفت نظرهم وجود شاب ألماني وزوجته ليس أمامهما سوى طبقين وعلبتين من المشروبات، يعني وجبة بسيطة بين شخصين تربطهما حياة جديدة، وكان على الجانب الآخر عدد قليل من السيدات كبيرات السن، ولأنه وأصحابه قد وصلوا جائعين فقد أسرعوا في طلب الطعام ولم يقضوا وقتا طويلا في تناول الطعام حتى انتهوا ودفعوا الحساب تاركين خلفهم أكثر من ثلث الطعام في الأطباق. ويذكر راوي القصة أن الغريب في الأمر أن السيدات كبيرات السن لم يرق لهن هذا المنظر غير المألوف لدى مجتمعهن فأردن أن يعطيننا درسا في الحياة حيث إنهن استأن من عدم أكل الطعام وإضاعته بهذه الصورة، فقال أحد الشباب متفلسفا! «لقد دفعنا ثمن الغداء الذي طلبناه فلماذا تتدخلن فيما لا يعنيكن؟»، وبعد فترة وجيزة من الوقت وصل رجل في زي رسمي وقدم نفسه على أنه «ضابط في مؤسسة التأمينات الاجتماعية»، وحرر مخالفة بقيمة خمسين ماركا وعند الانتهاء من دفع المخالفة التفت الضابط قائلا لهم: «اطلبوا كمية الطعام التي يمكنكم استهلاكها.. المال لكم لكن الموارد للمجتمع وهناك العديد من الآخرين في العالم الذين يواجهون نقص الموارد، ليس لديكم سبب لهدر الموارد». هناك كثير من الأشياء والموارد في حياتنا التي تتعرض للهدر والتضييع دونما حساب ولا حسيب ولا رقيب، الموارد المائية والطاقة الكهربائية والإسراف في الطعام والملابس والخدم والبيوت والإسراف والتوسع في الطلبات دونما الحاجة لأكلها أحد هذه الموارد المهدرة. إن الحفاظ على أي مورد من الموارد في حياتنا لا يمكن أن ندرك أهميته إلا عند نفاده أو فقدانه أو ارتفاع سعره وزيادة قيمته، والمطلوب على كل الأحوال أن يكون الاستخدام لأي مورد من الموارد بين البسط والقتر كما قال تعالى «والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما».. فإلزام النفس بالتوسط والاعتدال هو مطلب الحياة وهو مفهوم الاقتصاد في حفظ الموارد، وقد نبه القرآن الكريم إلى خطورة التبذير وأنه من عمل الشيطان وهو تصرف مذموم يكرهه الله ويكره من يتمثل به لأن الله لا يحب المسرفين، وأكثر الموارد التي قد يسرف فيها الناس من حيث يعلمون أو لا يعلمون الماء الذي هو بحق عصب الحياة الذي يحتاج إليه الإنسان والحيوان والنبات والشح في مصادره كبير ونفتقر إليه في الصيف كثيرا واستخدامه في غير محله هدر كبير، لذلك فإن قسيمة بمبلغ مائتي ريال لمن يهدره بدون سبب هو أقل القليل. وقد أعذرت الحارس بأن أية قسيمة سيدفعها هو، وليس مبررا للإسراف أن يقول البعض بأن هناك من يهدر الماء ولكن لا تطاله القسيمة لأن من يهدر الماء موسوم بعدم المواطنة الحقة وسيمشي بين الناس والجيران وعليه علامة الشياطين (الإسراف). [email protected]