في عصور الانغلاق والجمود الفكري عند المسلمين إبان القرون الماضية الممتدة من القرن السادس للهجرة إلى بدايات عصر النهضة العربية، راج بين الناس قول أنه لا جديد في المعرفة غير ما سبق إليه الأولون، فأصيب الجهد الفكري للمسلمين بشيء من الشلل، وتراجع نتاجهم الثقافي واختفى منه التأليف المستقل. فانشغل المؤلفون بوضع كتب الحواشي والشروحات والمختصرات لما سبق أن ألف من كتب، ثم لم يزيدوا على ذلك. ضمن أحد المقررات التي تدرس في برنامج أصول التربية لمرحلة الدكتوراه في جامعة الملك سعود، لفت نظري ورقة نقدية قدمتها الدارسة فاطمة المعجب، وهي إحدى الطالبات المتميزات في البرنامج، تعرضت فيها لما يوجد من بون شاسع بين واقع الحياة وما يدرس من فكر فقهي لطلاب وطالبات كليات الشريعة في جامعاتنا. حيث ترتكز أغلب الكليات الشرعية في تدريس العلوم الفقهية على المؤلفات، التي تعيد نتاج غيرها ولا تضيف جديدا، وضربت مثلا على ذلك: تدريس كتاب (حاشية الروض المربع: شرح زاد المستنقع) للطلاب في علم الفقه. هذا الكتاب كما تقول، ولد ضمن سلسلة من الكتب الموضوعة على كتاب (المقنع في فقه الإمام أحمد) لابن قدامة المتوفى سنة 620 ه .. بدأت السلسلة بكتاب (زاد المستقنع في اختصار المقنع) لأبي النجا موسى بن سالم المقدسي المتوفى سنة 968ه، الذي عمد فيه إلى اختصار كتاب (المقنع في فقه الإمام أحمد)، ثم تبعه (البهوتي المتوفى 1015ه) فقدم شرحا لكتاب أبي النجا المقدسي بعنوان (الروض المربع شرح زاد المستقنع). ثم جاء ابن قاسم النجدي في القرن الماضي فوضع حاشية على كتاب البهوتي بعنوان (حاشية الروض المربع شرح زاد المستنقع)، أي أن كتاب حاشية الروض، ليس سوى حلقة في سلسلة من الأفكار المتماثلة المكررة. وفي رأي الباحثة أن مثل هذه الكتب لا تثري المعرفة، وأن الاقتصار عليها في تدريس العلوم الشرعية، يحرم الطلاب من الاطلاع على رؤى أخرى متنوعة، كما يطمس عندهم مهارات التفكير النقدي، فمعظم الذين ألفوا تلك الكتب هم في الغالب لا يقدمون رؤية نقدية جادة، وإنما هم يكررون اجتهادات المؤلف الأول ويحصرون جهدهم في سوق الآراء والاستشهادات والإضافات التي تتوافق مع ما ذكر.. والنتيجة هي أن الطلاب الذين يتوقع أن يكونوا قضاة المستقبل وفقهاءه، يتخرجون وهم في حالة انغلاق فكري، وانفصام ثقافي عن واقعهم، لا يعرفون سوى رؤية وحيدة معزولة عن الواقع بمسافات بعيدة. فلا غرابة إذن متى وجدناهم حين تعرض عليهم قضايا بنيت الأحكام فيها على الاجتهاد، كالحضانة والكفاءة في النسب وضرب الزوجات وزواج الصغيرات وولاية الرجل على المرأة وغيرها.. لا يستطيعون النظر إليها إلا من خلال العين التي استعاروا بصرها من منتجات كتب الحواشي والمختصرات. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة