هناك من «يسوقون الهبل على الشيطنة» في مجتمعاتنا العربية، وما أكثرهم وما أكثر من يصدقون هبلهم وشيطنتهم «على عماها»، ولكن كل الذين ساقوا الهبل على الشيطنة «كوم» والحاج سليمان الدمنهوري «كوم ثاني»، فالحاج سليمان لمن لا يعرفه، هو مستثمر ذكي أو متذاكٍ أو حتى غبي لا يهم تحت أي تصنيف تضعه؛ المهم تحت أي تصنيف تضع من يصدقونه أو يتعاملون مع مشروعه الاستثماري. الحاج سليمان نشر إعلانا «والعهدة على الراوي» بمناسبة قرب شهر رمضان يقول فيه: «تفرغ للصيام وخلي الدعاء علينا.. للحصول على دعوات خاصة أرسل على حساب رقم (*****)، مبلغ 1000 جنيه ندعي لك قبل أذان المغرب، مبلغ 1500 جنيه ندعي لك قبل المغرب مع بكاء، مبلغ 2000 جنيه ندعي لك آخر الليل وقبل الفجر مع بكاء أيضا وخشوع، ولا يفوتك العرض الخاص فقط 4000 جنيه الباقة الكاملة طيلة شهر رمضان، مع تحيات شركة دعاء الكروان، إدارة الحاج سليمان الدمنهوري، تقاطع شارع جامعة الدول العربية الدور الثاني مكتب دعاء الكروان». وبصراحة أنا شخصيا أعجبتني حكاية « ندعي لك قبل المغرب مع بكاء، وآخر الليل وقبل الفجر مع بكاء أيضا وخشوع»، يعني فعلا الحاج سليمان هذا «وش يحس فيه؟!!». صحيح أن مصر بلد العجائب، والمصريين أولاد نكتة، وفيهم من يبيعك الأهرامات ويؤجر لك «التروماي»، ولكن الحاج سليمان «حطهم كلهم في كمه». وأتمنى من كل قلبي أن أعرف إن كان الحاج سليمان قد وجد زبائن لمشروعه الاستثماري العظيم ذي الأبعاد الإنسانية التي لا تخفى على أحد، فكما نعلم جميعا أن العرب والمسلمين لا يجدون وقتا للدعاء لأنفسهم بأنفسهم لأنهم مشغولون بالاختراعات والابتكارات والإنتاج، حتى أن العالم بدأ يتندر علينا لأننا نطالب بإلغاء الأنظمة التي تقر الإجازات للموظفين والموظفات؛ لأنهم لا يجدون وقتا كافيا لإنجاز مهامهم الجسيمة ليحافظوا على موقعهم في مقدمة العالم الأول! ولذلك خرج من بين ظهرانيهم الحاج سليمان (الله يجزاه بالخير) ليدعو لهم بالوكالة، وليس أي دعاء؛ بل دعاء «فل أوبشن»، فيه بكاء، وليس أي بكاء؛ بل بكاء في وقت محدد مختار بعناية ودراسة جدوى «مش أي كلام يعني، قبل المغرب توقيت ما حصلش!»، «وبكاء مع خشوع آخر الليل وقبل الفجر، يا جماعة المشروع مدروس ما يخرش الميه!». الشيء الوحيد الذي أعتب على الحاج سليمان فيه هو اختياره لاسم «دعاء الكروان» لشركته الروحانية، فالاسم «ملطوش يا بو داوود» من رواية طه حسين «دعاء الكروان»، ولا علاقة له بموضوع استثمارك النبيل؛ فالرواية والفيلم تحكي عن «آمنة» فتاة ريفية تتمرد على العادات والتقاليد في الصعيد، وتقع أختها «هنادي» في حب مهندس عازب تعمل عنده خادمة، ويعتدي عليها، وتقتل أمام أختها «آمنة» على يد خالها فتقرر بعد أن عاهدت نفسها مع دعاء الكروان في القرية الانتقام لأختها، ولكنها تقع في حب المهندس، وحكاية طويلة «تغم النفس ما لكم فيها»، ولا أقول إلا «رزق الهبل على المجانين». [email protected]