لن يكون طريق دولة جنوب السودان مفروشا بالورود مثلما يتمنى مواطنوها وهم في غمرة نشوة تحقيق الحلم الذي خاضوا من أجله أطول حرب أهلية في القارة الأفريقية. فالدولة الوليدة تواجهها تحديات عدة في مقدمتها انعدام البنية التحتية والصراعات القبلية وخلافات الحدود مع الجارة الشمالية والشكوك والاتهامات المتبادلة بين الجانبين وفوق هذا وذاك وضع قوات «مليشيا» الحركة الشعبية المتواجدة في ولايتي جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق الشماليتين. بحسب احصائية حديثة لمنظمة الأممالمتحدة نشرتها, فإن اكثر من ألفين و360 شخصا قتلوا في أعمال عنف بجنوب السودان منذ بداية العام الحالي 2011 منهم أكثر من 500 قتلوا في الاسبوعين الاخيرين من شهر يونيو الماضي مما يؤكد ان الدولة الوليدة معرضة لأن تصبح دولة فاشلة ما لم تتمكن من السيطرة على حركات التمرد والنزاعات الدموية التي طال عليها الامد بين قبائلها، علما بأنه توجد سبع مليشيات تقاتل ضد حكومة جنوب السودان معلنة الحرب على ما تصفه بالتمييز العرقي من قبل الحكومة. واضافة الى هذه المليشيات توجد مليشيا تسمى «جيش الرب» الأوغندية المعارضة والتي تشكل ازعاجا متواصلا لسلطات جوبا. ومالم يتم التوصل الى حل لمشكلة قوات الحركة الشعبية المتواجدة في ولايتي جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق قد تلجأ حكومة الخرطوم الى المعاملة بالمثل وتسلح المليشيات الجنوبية المعارضة لتستمر الحرب الأهلية الى ما لانهاية. وحتى الآن لا يبدو أن سلطات جوبا ستتخلى عن تلك القوات التي قاتلت الى جانبها ضد الجيش السوداني لسنوات طويلة. ويتوقع محللون ان يكون هذا العام هو الأعنف في جنوب السودان منذ نهاية الحرب قبل ست سنوات، اذ يخشون مما هو آت. ويقول جيري مارتون مدير الشؤون الانسانية باللجنة الدولية للإنقاذ «نحن في شهر عسل الآن.. ولكن ما يقلقنا هو ما جرى في آخر مرة استقل بلد في افريقيا وكان اريتريا عام 1993. ففي اول الامر سارت الأمور حسنا ثم بعد اربعة اعوام اندلعت الحرب». ومازالت رشادة الحكم أمرا مهما فالسلطة تتركز في ايدي الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تشكل قوامها من المتمردين السابقين الذين امسكوا زمام الأمور. لكن مجموعات معارضة تصف مسودة الدستور الانتقالي للدولة ب «الدكتاتورية». ويقول متمردون على الحركة الشعبية في الجنوب انهم يقاتلون للانقلاب على الحكومة الجديدة، وهم المتمردون الذين يتهمهم المسؤولون الجنوبيون بأنهم اصابع داخلية لحكومة الخرطوم و تسعى من خلالها للسيطرة على حقول النفط بمحاذاة الحدود مع الجنوب. وثمة استياء متنام في جنوب السودان من الافتقار الى البنية التحتية فضلا عن اتهامات بفساد مستشر وسرقة لأموال النفط. ويقول الان ماكدونالد من منظمة اوكسفام للاغاثة: طرأ تقدم منذ نهاية الحرب لكنه لا يواكب اطلاقا المستوى المطلوب مع شعور الناس بإحباط متزايد لتباطؤ النمو ، فقد كانت أحلام المواطنين كبيرة بعد التوصل الى اتفاق السلام في عام 2005 وعادت أعداد كبيرة من النازحين الى قراهم ليكتشفوا أن الوضع كما هو عليه دون تحسن يذكر، والخدمات الصحية في وضع مترد للغاية. صعوبات مستعصية وتتفاقم المشكلة بعودة الجنوبيين العائدين من شمال السودان، فقد اشار تقرير أصدره مؤخرا نشطاء دوليون وسودانيون الى ان العائدين «يواجهون صعوبات مستعصية تشمل اغلاق أراض امام الاستقرار والزراعة». كما «تتهدد اخطار بعينها الفئات الاضعف كالنساء والاطفال، بخلاف الافتقار الى الخدمات مثل المياه والصرف». ويقول جوك مدوت جوك الذي شغل منصب استاذ للتاريخ في جامعة لويولا ميريمونت بكاليفورنيا «أمامنا الكثير من التحديات خلفها ارث عقود من الحرب، والتوقعات تبلغ عنان السماء». ويضيف «نحن هنا لكي نعمل من اجل مستقبل افضل». دعم امريكي ورغم قتامة الصورة يلوح أمل في نهاية النفق حيث ينتظر ان تلقى دولة جنوب السودان دعما كبيرا من الولاياتالمتحدة وباقي الدول الغربية. فالمسؤولون الامريكيون يشيرون الى اعتزام الوكالة الامريكية للتنمية الدولية (يو اس ايد) مواصلة مستوى دعمها للجهود التنموية في الجنوب بما يتراوح بين 250 مليونا و300 مليون دولار سنويا.. وقال مسؤول امريكي «ستواصل الحكومة الامريكية التزامها بدعم تنمية هذا البلد الجديد على نفس مستواها السابق»، مؤكدا ان الجنوب، الذي يعاني من افتقار هائل الى التنمية، لن يسقط من الحسابات الدولية بعد استقلاله. ويقول جون تيمين محلل الشؤون السودانية انه رغم ما تتعرض له الموازنة الامريكية من ضغوط ما يشير الى احتمال تأثر برامجها الخارجية لدعم التنمية، الا ان «جنوب السودان يبقى اولوية حقيقية بالنسبة للحكومة الامريكية على الصعيد الافريقي وحتى العالمي».