من نافلة القول؛ أن الدراسات والأرقام والاحصائيات تعد حجر الأساس في التعرف على مشاكل المجتمع كما وكيفا، وكيفية الحد منها بالأساليب العلمية المثلى، ولئن كانت الظواهر الاجتماعية السلبية تشكل صداعا مزمنا لأي مجتمع من المجتمعات، فإن العلاج الأمثل لهذا الصداع التعرف على أعراضه ومسبباته للعلاج منه وضمان عدم استمراره وتفشيه. وجرائم الاغتصاب هي إحدى المشكلات التي طغت على السطح في الآونة الأخيرة، بالرغم من وجودها مسبقا؛ لكن الصمت والعيب يخفيانها عن الأنظار، وماجعلها تعود للمشهد مرة أخرى هي ظهور وحش جدة، الذي أقدم على اغتصاب 13 قاصرا وقاصرة ومن قبلها السائق الذي اغتصب سيدته في المدينة وبعض القصص التي سمعنها هنا وهناك. ولعل غياب الدراسات والأرقام والإحصائيات جعلت التعامل مع هذه القضايا أكثر صعوبة وفي الجزء الثالث والأخير من ملفنا حول جرائم الاغتصاب في المجتمع نتطرق إلى أسباب غياب الدراسات والإحصائيات حول القضية ومعرفة الحكم الشرعي لرتق غشاء بكارة المغتصبة في ظل الضبابية حول هذه المسألة الحساسة، بعد أن ناقشنا في الجزء الأول جريمة الاغتصاب من الناحية الشرعية والقانونية والقضائية والنفسية والاجتماعية، وفي الجزء الثاني عرجنا على تعامل الجهات ذات العلاقة مع المغتصبين والمغتصاب وأوجه القصور. وقد حاولنا في هذا الجزء استطلاع آراء القراء في القضية من خلال استفتاء على موقع «عكاظ» الإلكتروني طرحنا فيه تسعة أسئلة على القراء كانت إجابتها على النحو التالي: أرقام وإحصائيات رأى 52,9 في المائة من متصفحي الموقع أن جرائم الاغتصاب ظاهرة، بينما رأى 10,7 في المائة مجرد مشاكل، واعتقد 36,5 في المائة من القراء أنها حالات فردية. وحول السؤال الثاني: هل يجب أن يتضمن الحكم على مرتكبي جرائم الاغتصاب التشهير أجاب 82,4 في المائة بنعم، بينما كانت إجابة 17،6 في المائة لا. ويرى 45,3 في المائة أن عقوبة مرتكبي جرائم الاغتصاب رادعة في آراء مخالفة على تصريح مدير التوجية والتوعية في وزارة الداخلية الدكتور سعد اللحيد ونشر في الجزء الثاني عندما رأى أن العقوبات غير رادعة بينما اتفق 31,4 في المائة من القراء مع رأي اللحيد بأن العقوبات تحتاج لإعادة نظر، ويعتقد 12,7 في المائة أن العقوبات عادلة و 10,7 في المائة رأوا بأنها مخففة. وحول السؤال الذي طرحناه في الجزء الأول من التحقيق حول هل ساهم العيب والصمت في تنامي حالات الاغتصاب، أجاب 90,8 في المائة بنعم، بينما كانت إجابة 9,2 في المائة لا. وكانت إجابة متصفحي الموقع عن السؤال الذي طرحناه على المختصين في الجزء الأول والثاني حول دور وسائل الإعلام في جرائم الاغتصاب يرى 57,8 في المائة أن الطرح الإعلامي كان مثيرا وفاقمها، بينما يؤكد 42,2 في المائة من القراء أنها ساهم في الحد منها ومعالجتها. واعترف 93,6 في المائة بحاجة المجتمع لمراكز نفسية واجتماعية لتأهيل المغتصبين، بينما يرى 6,4 في المائة أنها لاحاجة لذلك. أسباب وحلول وحول الأسباب التي أدت إلى ظهور حالات الاغتصاب رأى متصفحو الموقع، أن السبب الأول هو ضعف الوازع الديني والأخلاقي بنسبة تصل إلى 53,3 في المائة، وجاء السبب الثاني هو الكبت الجنسي بنسبة وصلت إلى 13,7 في المائة، ويرى 12,3 في المائة أن مشاهدة الأفلام الإباحية هو السبب، ووضع المتفصحون غياب الرقابة على الشباب والفتيات بنسبة 10,9 في المائة، ليأتي التفكك الأسري في المرتبة الخامسة بنسبة 5,5 في المائة، وحلت الأمراض النفسية كأقل الأسباب الدافعة لجرائم الاغتصاب وفق آراء القراء بنسبة 4,3 في المائة. ويرى المشاركون أن أبرز الحلول للحد من تفاقم حالات الاغتصاب هو تشديد العقوبات على مرتكبي الاغتصاب بنسبة 36,5 في المائة، والحل الثاني وفق رأي القراء هو تقوية الوازع الديني لدى النشء بنسبة 22,5 في المائة، أما الحل الثالث فقد جاء وفق تصويت القراء هو تيسير الزواج وتخفيض المهور بنسبة وصلت إلى 19,7 في المائة، ويرى 14,8 من القراء أن التربية الجنسية الصحيحة من أسباب الحد من تفاقم جرائم الاغتصاب، واحتل الرقابة المترنة على الشباب والفتيات المرتبة الخامسة والأخيرة ضمن الحلول المطروحة بنسبة 6,6 في المائة. ورأى 64,8 في المائة من القراء المشاركين البالغ عددهم 490 شخصا، أن غياب الدراسات والأرقام والإحصائيات يأتي بسبب ضعف الجهات البحثية المعنية، بينما يرى 35,2 في المائة أن عدم توفر المعلومات الكافية هي السبب، وهو ما مانفاه مدير التوجيه والتوعية في وزارة الداخلية الدكتور سعد اللحيد، مؤكدا أن الوزارة توفر المعلومات والأرقام للجهات البحثية في حال طلبها، لكنه أكد أنه لايتم تزويدها لوسائل الإعلام. «عكاظ» تساءلت في الجزء الثالث والأخير من ملف جرائم الاغتصاب عن أسباب غياب الدراسات والأرقام والأبحاث حولها مستطلعة آراء الجهات المعنية وتساءلت عن الحكم الشرعي لرتق غشاء بكارة الفتاة المغتصبة، وخلصنا إلى الحلول المقترحة للحد من جرائم الاغتصاب في المجتمع في سياق الآراء التالية: موقف الشورى بداية رفض وكيل وزير الشؤون الاجتماعية سابقا عضو مجلس الشورى الدكتور عوض الرداداي، أن تكون جرائم الاغتصاب ظاهرة كما وصفها القراء في استفتاء «عكاظ»، مشيرا إلى أنها مجرد حوادث متفرقة تحدث من وقت لآخر، مرجعا سبب حدوث هذه الجرائم لظهور الأمراض النفسية والانحرافات السلوكية لدى البعض، وعاد الردادي ليؤكد وجود حالات لاتظهر على السطح بسبب تستر الناس عليها، متفقا مع آراء متصفحي موقع «عكاظ» عندما أجمعوا على أن العيب والصمت ساهم في تفاقم المشكلة. ولفت الردادي إلى عدم ظهور هذه الحالات وعدم معاقبتهم بشكل رادع يساهم في تفاقم المشكلة، مؤكدا أن انتشار مثل هذه الجرائم في المجتمع تدخل الخوف والقلق من قبل الأسر على أبنائهم وبناتهم، مطالبا بضرورة أن تتولى الجهات الأمنية والقضائية بإنزال العقوبات الرادعة بحق هؤلاء المجرمين وإخضاعهم لفحوصات نفسية؛ لمعرفة دوافعهم وأسباب قيامهم بمثل هذه الجرائم المشينة. وأشار إلى ضرورة تأهيل ضحايا الاغتصاب من قبل الباحثين في الشؤون الاجتماعية ووزارة الصحة ومساعدتهم، مؤكدا على أهمية إجراء دراسات وبحوث من قبل المراكز البحثية. واختلف مع الردادي مع آراء القراء في أن بعض الطروحات الإعلامية تبحث عن الإثارة أكثر من الطرح المتزن، مطالبا وسائل الإعلام بالطرح الإيجابي. ولم يؤيد الردادي إنشاء دور اجتماعية خاصة لتأهيل المغتصبات؛ لأن في ذلك تضخيم للموضوع، كما أن هناك مختصات مؤهلات في الشؤون الاجتماعية يمكن أن يقمن بهذا الدور في مخالفة لآراء متصفحي «عكاظ» الذين طالبوا بهذه الدور. واعترف الردادي بعدم مناقشة الشورى لهذه القضية، مبينا أن المجلس تشريعي لايناقش المواضيع الإجرائية، موضحا أنه يناقش مايرده في تقارير الجهات الحكومية فإن ورده في أحد التقارير فقرة عن تفاقم جرائم الاغتصاب فإنه سيعالجها، مؤكدا على أن المجلس أحد قنوات تشريع الدولة، وطالب الردادي المراكز البحثية بدارسة هذه الجرائم بكشل علمي لمعرفة أسبابها ووضع حلول عاجلة لها حتى لاتتكرر مأساة وحش جدة. غياب الأبحاث واعترف مدير مركز الأمير نايف بن عبد العزيز للبحوث الاجتماعية والإنسانية ومشرف كرسي الأمير نايف للقيم الأخلاقية، بعدم وجود درسات لديهم لجرائم الاغتصاب في الوقت الحالي لحداثة المركز ولعدم ظهور هذه الجرائم، لكنه رحب في الوقت نفسه بالتعاون مع كل الجهات المختصة كالتعليم والأمن والقضاء والإعلام لوضع النظم وإعداد التدريب والقيام بالدراسات اللازمة لمعرفة حجم وجود مثل هذه النزعات والاكتشاف المبكر لها وعلاج المعتدى عليهم من غير الإفصاح عن هوياتهم وتدريب المرشدين النفسيين والاجتماعيين على التعامل مع مثل هذه القضايا. ويرى الأفندي، أن التسليم بأن مثل هذه الجرائم لا تحدث أو تحدث بدرجة أقل في غير البلاد الغربية إنه يحتاج إلى إثبات، معللا ذلك «لأن هناك من الفوارق بين المجتمعات الغربية وغيرها كالشرقية مثلا ما يجعل عدم الإعلان عن الجريمة ليس دليلا على عدم وقوعها». واستشهد بأبرز الفوراق على سبيل المثال أن المجتمعات الغربية على ما فيها من المتناقضات والسلبيات تعرف الأطفال حقوقهم في الرعاية والعناية وتشجعهم على شكوى المعتدي عليهم ولا تصم تلك المجتمعات المعتدى عليه من الأطفال ولا عائلاتهم بالعار والشنار إلى يوم الدين، بل تعتبرهم ضحايا مستحقين للعطف والرعاية النفسية والجسدية. وأضاف «أما في مجتمعاتنا فعلى العكس تماما، ويعتبر هذا الأمر من الأمور الغامضة التي لا ينبغي الخوض فيها، كما أن العار يلحق المعتدى عليه وبلاحقه وقد يمنع من الاقتران به أو بها في المستقبل، إن كانت فتاة كما هو الحال في حادثة وحش جدة البشعة». وطالب الأفندي المجتمع، أن يقوم بالتعريف بما يجب على الآباء من وعي وإجراءات لحماية بناتهم وأبنائهم، والتعريف بواجب الهيئات التعليمية في إدخال ثقافة تعريف الطفل بحقوقه ووجوب إبلاغ الطفل عن ما يقع ضده من مخالفات. مؤكدا على أهمية التأهيل الصحيح والمتكامل للمرشدين الاجتماعيين والنفسيين في المدارس والمجتمع للتعامل مع هذه الجرائم وقاية وعلاجا وتأهيلا ومتابعة بعد التعافي، وشدد على ضرورة إيقاع أشد العقوبات بالمعتدين على الأطفال وإيجاد أماكن بديلة لرعايتهم، إن كان المعتدين من الآباء أو الأقارب، مع أهمية توعية المجتمع بحقيقة الجريمة وتوابعها حتى لا يعاقب الضحية اجتماعيا كأنه المذنب، مرحبا بالتعاون مع أي جهة بحثية. ندرة الأرقام واتفقت الباحثة الاجتماعية الدكتورة ميسون الدخيل أن ندرة الدراسات والأبحاث تعود لسبيين أولهما ضعف المعلومات من قبل الجهات الأمنية من جهة، وضعف الباحثين والمراكز البحثية من جهة أخرى، مما يصعب أسباب تحديد الأسباب بدقة ووضع الحلول للحد من تفشيها في المجتمع، مؤكدا على أن العيب والصمت يفاقم هذه المشاكل، وطالبت العلماء بضرورة استصدار رأي فقهي في مسألة رتق غشاء البكارة للضحية سترا لها في جريمة لاذنب لها فيها. واتفق الباحث في الشؤون القانونية مفلح بن حمود الأشجعي وصاحب بحث في موضوع الاغتصاب مع رأي الدخيل بصعوبة الحصول على أي إحصائية حول الاغتصاب في المملكة، مرجعا ذلك؛ لأن المعلن عنه من حوادث من هذا النوع لا تكاد تتعدى عدد أصابع اليد الواحدة، مشيرا إلى أن ذلك يعود لعدة أسباب من أهمها أن الشريعة الإسلامية التي تطبقها المملكة تتشوف إلى الستر دائما؛ لأن إثبات حدوث الفاحشة ليس مطلبا شرعيا ومجرد إحالة الإنسان سواء كان ذكرا أم أنثى لاثبات حادثة الزنا أو الاغتصاب فيه إهانة للإنسان وفضيحة له، واستدرك الأشجعي «بالرغم من ذلك فإن أنظمة المملكة أيضا لا تمانع من إجراء الكشف الطبي متى اقتضت الضرورة الأمنية ذلك، وبشرط أن يكون الفحص الطبي هو السبيل الوحيد للوصول إلى الحقيقة وكشف ملابسات الجرم بشكل عام، مؤكدا أن ذلك كله يتوقف على الادعاء، تماشيا مع ما ورد بتعميم وزير الداخلية رقم 3852/2ش في 21/7/1414ه، وأضاف الأشجعي بأن «الانحراف سلوك غير مقبول اجتماعيا وتفشيه في المجتمع يسبب اختلالا وظيفيا للمجتمع، وتقدير خطورة أي انحراف يعطينا بعدا حقيقا، بل علاجا ناجعا بإذن الله لمواجهة أي خطر قادم من خلال تشكيل آلية الدفاع الاجتماعي تجاه أي ظاهرة من شأنها الاخلال بأمننا الاجتماعي، ومن ثم العمل على محاربتها»، ولفت الأشجعي إلى أن علماء الجريمة قد اتفقوا على أن مكافحة الجريمة أفضل من العقاب، مطالبا بتبني سياسة الإعلام الأمني الصحيح القائم على مكافحة الجريمة بأسلوب التنوير بمخاطر الجريمة لا بأسلوب الوعظ والتشهير لغرس الضوابط الذاتية في نفوس الناس تنفر من الجريمة، وبالتالي تكوين رأي عام موحد وقوي في التصدي للآفات الاجتماعية بشكل عام والآفات الأخلاقية بشكل خاص، ليشكل لدينا في النهاية فكرا ثقافيا واعيا يحمي القانون لدرجة عدم الحاجة إليه. الضوابط الشرعية كما شدد الأشجعي بالإشارة إلى أن القانون مهما يكن صارما فإن حمايته للناس تظل جزئية وليست كلي، أي أنه على الإنسان أن يوفر الحماية الشرعية لنفسه قبل أن يوفرها القانون من خلال تقيده التام بالضوابط الشرعية وبالعادات والتقاليد الصحيحة. ودعا الأشجعي الأسر بضرورة فتح قنوات الحوار مع أبنائهم القصر والتحرر من ثقافة العيب حماية لهم من تعرضهم لمثل هذه الحوادث، مطالبا أرباب الأسر بتنمية الفكر الناقد لدى أبنائهم لتخرج أفكارهم ومعاناتهم إلى النور مما يسهل قراءتها والتعامل معها، مستشهدا بنص الأمر السامي الكريم رقم 1902/1 في 8/7/1387 ه، بتكليف رجال الهيئات بالتعاون مع رجال الشرطة بملاحظة ظاهرة السفور واتخاذ الإجراءات الرادعة للقضاء عليها وأن العقاب سيتناول أولياء أمور المخالفين، مؤكدا على أن الأب والأم هم صمام الأمان لأبنائهم وعليهم أن يوجهوا أبناءهم حتى بما يجب أن يظهر من أجسادهم حتى أمام المحارم تلافيا لأية قنوات تفضي إلى المحظور.